«أنا من نكاح ولست من سفاح» وإنما الخلاف فيما هو الراجح ، أهو الوطء أم العقد؟
أن يكون المراد بالنكاح في الآية الوطء ، قالوا : لأنه فيه حقيقة ، وفي العقد مجاز ، والحمل على الحقيقة أولى ، حتى يقوم الدليل على الحمل على المجاز ، وإذا كان المراد به الوطء فلا فرق بين الوطء الحلال والوطء الحرام.
قالوا : ويدلّ عليه من جهة النظر أنّ الوطء آكد في إيجاب التحريم من العقد ، لأنّا لم نجد وطأ مباحا إلا وهو موجب للتحريم ، كالوطء بملك اليمين ، ونكاح الشبهة ، وقد وجدنا عقدا صحيحا لا يوجب التحريم ، وهو العقد على الأم لا يوجب تحريم البنت ، ولو وطئها حرمت ، فعلمنا أنّ وجود الوطء ، لأنّ التحريم لم يخرجه من أن يكون وطأ صحيحا.
وللشافعية أن يقولوا النكاح ، وإن كان مجازا في العقد : ولكنه اشتهر فيه حتى صار حقيقة ، كالعقيقة ، كانت اسما لشعر المولود ، ثم أطلقت على الشاة التي تذبح عند حلقه مجازا ، واشتهر ذلك ، حتى صارت حقيقة فيها ، تفهم منها عند الإطلاق. وقد عبّر الله بجانب هذه المحرمات بما يفيد الزوجية كقوله : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ).
ويدلّ لهم من جهة النظر أنّ الله جعلها محرما بالمصاهرة تكريما لها ، كما جعلها محرما من النسب تكريما للنسب ، فكيف يجعل هذه الحرم للزنى وهو فاحشة ومقت ، وإنما جعل زوجة الأب محرما ، وكذلك زوجة الابن وأم الزوجة وبنتها لشدة الاختلاط بين الأصهار ، فجعلن محارم ، لتنقطع طماعية المرء منهن ، فيقل الفساد ، لأنّ الطمع داعية الفساد ، وبذلك تسهل الخلطة على الأصهار ، ويأمنون مغبتها ، وهذا المعنى ليس موجودا في الزنى ، وهذا الذي ذكرناه يفهم من كلام الشافعي في «الأم» فقد قال :
فإن زنى بامرأة أبيه وابنه أو أم امرأته فقد عصى الله ، ولا تحرم عليه امرأته ، ولا على أبيه ، ولا على ابنه امرأته ، لو زنى بواحدة منهما ، لأن الله عزوجل إنما حرّم بحرمة الحلال تعزيزا لحلاله ، وزيادة في نعمته بما أباح منه ، بأن أثبت به الحرمة التي لم تكن قبله ، وأوجب بها الحقوق ، والحرام خلاف الحلال.
والظاهر ما ذهب إليه الشافعية والقول الراجح عند المالكية عن عدم التحريم بالزنى للعلة التي ذكرت ، ويكون مقيسا على النسب ، فكما أن النسب لا يثبت بالزنى ، كذلك التحريم لا يثبت بالزنى.
قال الله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ