واختلفت الرواية عن مالك ، ففي «الموطأ» عنه مثل قول الشافعي ، وروى عنه ابن القاسم مثل أبي حنيفة ، وقال سحنون (١) : أصحاب مالك يخالفون ابن القاسم فيها ويذهبون إلى ما في «الموطأ».
وسبب الخلاف الاشتراك في اسم النكاح ، فهو يطلق على الوطء ، وعلى العقد ، فمن قال : إنّ المراد به في الآية الوطء حرّم من وطئت ولو بزنى ، ومن قال : المراد به العقد لم يحرّم بالزنى.
ونحن سنشرح المسألة بعض الشرح فنقول :
نقل الجصاص (٢) عن أبي عمر غلام ثعلب قال : الذي حصّلناه عن ثعلب عن الكوفيين ؛ والمبرّد عن البصريين أنّ النكاح في أصل اللغة هو اسم للجمع بين الشيئين ، تقول العرب : أنكحنا الفرا فسنرى ، هو مثل ضربوه للأمر ، يتشاورون فيه ، ويجتمعون عليه ، ثم ينظر عماذا يصدرون فيه ، معناه جمعنا بين الحمار وأتانه ، وسمّى الوطء نكاحا ، لأنّه جمع بين الرجل والمرأة ، وأطلق على العقد نكاح ، لأنّه سبب له.
وليس يختلف أنه قد أطلق في القرآن ولسان العرب على الوطء مرة ، وعلى العقد أخرى ، فمن إطلاقه على الوطء ، قوله : (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) [البقرة : ٢٣٠](الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) [النور : ٣] إذ لو كان العقد للزم الكذب.
وقوله : (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) [النساء : ٦] وقوله صلىاللهعليهوسلم : «ناكح اليد ملعون» وقول الأعشى :
ومنكوحة غير ممهورة |
|
وأخرى يقال له فادها |
يقصد المسبية الموطوءة بغير مهر ولا عقد.
وقول الآخر :
ومن أيّم قد أنكحتها رماحنا |
|
وأخرى على عمّ وخال تلهّف |
ومن إطلاقه على العقد قوله تعالى : (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ) [الأحزاب : ٤٩] وقوله : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) [النور : ٣٢] وقوله : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) [النساء : ٣] وقوله صلىاللهعليهوسلم : «النكاح من سنّتي» (٣) أي العقد ، وقوله :
__________________
(١) عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي الملقب بسحنون قاض فقيه ولد في القيروان ، انظر الأعلام للزركلي (٤ / ٥).
(٢) في كتابه أحكام القرآن (٢ / ١١٢).
(٣) رواه ابن ماجه في السنن (١ / ٥٩٢) ، كتاب النكاح ، باب ما جاء في فضل النكاح حديث رقم (١٨٤٦).