بأو جائز ، ويجوز في مثل هذا الكلام أن تكنّي عن المرأة أو تكنّي عنهما معا ، قال الفراء (١) : إذا جاء حرفان في معنى بأو جاز إسناد التفسير إلى أيهما أريد ، ويجوز إسناده إليهما أيضا ، تقول : من كان له أخ أو أخت فليصله ، يذهب إلى الأخ ، أو فليصلها يذهب إلى الأخت ولو قلت : فليصلهما جاز أيضا.
(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ).
يقول الله : هذه القسمة للإخوة للأم من بعد وصية يوصي بها الميت ، أو دين وهو غير مضار الورثة بوصيته أو دينه ، والمضارة بالوصية أن يوصي بأكثر من الثلث ، أو به فأقل ، قاصدا ضرار الورثة دون وجه الله ، والمضارّة في الدين أن يقرّ بدين لمن ليس له عليه دين ، وعن قتادة كره الله الضرار في الحياة وعند الممات ونهى عنه.
وتفيد الآية أن الوصية والدين اللذين قصد بهما الضرار لا يجب تنفيذهما ، لأنه شرط في إخراجهما قبل التوريث عدم المضارة.
(وَصِيَّةً مِنَ اللهِ) مصدر مؤكد ، ناصبه يوصيكم ، أي يوصيكم بذلك وصية ، أي يعهد إليكم به عهدا (وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) يقول : والله ذو علم بمصالح عباده وبمضارهم ، وبمن يستحق الميراث ومن لا يستحق ، وبمقدار ما يستحقه المستحق (حَلِيمٌ) لا يعجّل بالعقوبة على من عصاه فظلم عباده ، وأعطى الميراث لأهل الجلد والقوة ، وحرم الضعفاء من النساء والصغار ، فهو معاقبهم ، ولكنه يحلم عليهم ، فلا يعاجلهم بالعقوبة ، فلا يظنوا أنهم سيفلتون فلا يعاقبون.
قال الله تعالى : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣))
حدّ كل شيء ما فصل بينه وبين غيره ، ومنه حدود الدار ، وحدود الأرضين ، لفصلها بين ما حد بها وبين غيره.
فالمعنى : هذه القسمة التي قسمها لكم ربكم ، والأنصباء التي جعلها لأحيائكم من أموال موتاكم فصول ما بين طاعته ومعصيته ، فالكلام على حذف مضاف ، أي حدود طاعته ، وإنما ترك لعلمه من الكلام. ومن يطع الله ورسوله بالتزام ما حدّ من المواريث يدخله جنات تجري من تحت أشجارها وزرعها الأنهار ، باقين فيها ، لا يموتون ولا يفنون ، ودخول الجنة الباقية هو الفوز العظيم.
__________________
(١) انظر كتابه في معاني القرآن (١ / ٢٥٧).