الأخوة والأخوات إذا ورث كلالة ، ولا شكّ أنّ الإخوة والأخوات لا يرثون عند وجود الأب ، فوجب ألا يكون الوالد من الكلالة.
الكلالة ترد وصفا للميت ، ويراد بها من لا يرثه والد ولا ولد ، وقد ترد وصفا للوارث ، ويراد بها من عدا الوالد. فمن الأوّل قول الشاعر (١) :
ورثتم قناة المجد لا عن كلالة |
|
عن ابني مناف عبد شمس وهاشم |
ومن الثاني ما في حديث جابر قال : مرضت مرضا أشفيت منه على الموت ، فأتاني النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقلت : يا رسول الله إني رجل لا يرثني إلا كلالة ، وأراد به أنه ليس له والد ولا ولد (٢).
والظاهر أنها في الآية وصف للميت ، لأنّها حال من نائب فاعل يورث ، وهو ضمير الميت ، ثم إذا كانت مصدرا قدّر مضافا ، أي ذا كلالة ، وإن كانت صفة كالهجاجة والفقاقة للأحمق لم يحتج الأمر إلى مضاف.
والمراد بالأخوة هنا الأخوة للأم ، دون الأخوة الأشقاء ، ودون الإخوة للأب ، بدليل قراءة سعد بن أبي وقاص (وله أخ أو أخت من أم) (٣) ويدل عليه أيضا غير هذه القراءة أن الله ذكر ميراث الإخوة مرتين هاهنا ، ومرة في آخر هذه السورة ، فجعل هاهنا للواحد السدس ، وللأكثر الثلث شركة ، وجعل في آخر السورة للأخت الواحدة النصف ، وللاثنتين الثلثين ، وللذكر المال ، فوجب أن يكون الإخوة لأب وأم أو لأب ، فتعيّن أن يكون المراد هنا الإخوة لأم ، ويرجحه أنّ الفرض هنا الثلث أو السدس ، وهو فرض الأم ، فناسب أن يكون فرض الإخوة الذين يدلون بها ، وهم الإخوة لأم.
وقد تبين أنّ الإخوة لأم لهم حالتان :
١ ـ أخ لأمّ منفرد ، أو أخت لأم منفردة ، وله أو لها السدس.
٢ ـ أن يتعدد الأخ لأم ؛ أو الأخت لأم ؛ وفي هذه الحالة يكونون شركاء في الثلث ، يقسّم بينهما بالسوية ، لأنثاهم مثل ذكرهم ، لأن مطلق التشريك يدلّ عليه. ويمنع الإخوة لأمّ من الميراث الوالد والولد ، لأنّ الله جعل لهما ذلك النصيب إذا كان الميت يورث كلالة ، وقد ذكرنا أنّها من يرثه غير الوالد والولد.
وهنا بحث لفظي ، وهو أن الله تعالى قال : (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ) ثم قال : (وَلَهُ أَخٌ) فكنّى عن الرجل ، ولم يكنّ عن المرأة ، وهذا في العطف
__________________
(١) الفرزدق ، انظر البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي (٣ / ١٩٧).
(٢) رواه ابن جرير الطبري في تفسيره جامع البيان (٤ / ١٩٣).
(٣) رواه القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (٥ / ٧٨).