قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (١٠)) يقال : صلي النار كرضي يصلاها ، إذا قاسى حرّها ، سواء بالقرب منها أو بالدخول فيها ، والمراد هنا سيدخلون سعيرا.
والسعير : فعيل ، بمعنى مفعول ، من سعّرت النار إذا أوقدتها وألهبتها.
والآية مسوقة لتأكيد الأوامر والنواهي فيما سبق وتقريرها. وفي تقييد الأكل بحالة الظّلم دلالة على أن مال اليتيم قد يؤكل على وجه الاستحقاق ، كالأجرة والقرض مثلا ، فلا يكون ذلك ظلما ، ولا الآكل ظالما.
وذكر البطون مع أن الأكل لا يكون إلا فيها :
إما لأنه قد شاع في استعمالهم أن يقولوا : أكل فلان في بطنه ، يريدون ملء بطنه ، فكأنه قيل : إنما يأكلون ملء بطونهم نارا ، حتى يبشموا بها.
وإما للتأكيد والمبالغة كما في قوله تعالى : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) [آل عمران : ١٦٧] والقول لا يكون إلا بالفم ، وقوله : (وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج : ٤٦] والقلوب لا تكون إلا في الصدور ، وقوله : (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) [الأنعام : ٣٨] والطير لا يطير إلا بجناحين ، فقد قالوا : إنّ الغرض من ذلك كله التأكيد والمبالغة ، وفيه على كل حال تبشيع لأكل مال اليتيم في حالة الظلم ، وتنفير منه.
اختلف المفسرون في كلمة (ناراً) أهي باقية على معناها ، أم مجاز بمعنى ما يفضي إلى النار؟ ذهب إلى الأول عبيد الله بن أبي جعفر ، فقد روي عنه أنه قال : من أكل مال اليتيم ، فإنه يؤخذ بمشفره يوم القيامة فيملأ فمه جمرا ، ويقال له : كل ما أكلته في الدنيا ، ثم يدخل السّعير الكبرى.
وأخرج ابن جرير (١) وابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري قال : حدّثني النبي صلىاللهعليهوسلم عن ليلة أسري به ، قال : «نظرت فإذا أنا بقوم لهم مشافر كمشافر الإبل ، وقد وكّل بهم من يأخذ بمشافرهم ، ثم يجعل في أفواههم صخرا من نار ، فيقذف في أفواههم حتّى يخرج من أسافلهم ، ولهم خوار وصراخ ، فقلت : يا جبريل من هؤلاء؟ قال : الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما».
والجمهور من المفسرين على أنّ كلمة (ناراً) مجاز مرسل من ذكر المسبب وإرادة السبب ، وحجتهم في ذلك قوله تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً) الإشارة فيه إلى أكل واحد ، فكان حمله على التوسع أولى.
__________________
(١) في تفسيره جامع البيان ، المشهور بتفسير الطبري (٤ / ٢٨٤).