قال الله تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٥))
أصل السفه : الخفة والحركة. يقال تسفّهت الريح الشجر إذا أمالته ، والمراد به هنا خفّة الأحلام ، واضطراب الآراء ، ومن معاني القيام الانتصاب على القدمين ، والاعتدال ، وما يعاش به ، وهذا الأخير هو المناسب هنا.
واختلف المفسّرون في تعيين المخاطبين بقوله تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) كما اختلفوا في المراد من السفهاء على أقوال أشهرها : أن المخاطبين هم أولياء اليتامى ، والسفهاء هم اليتامى مطلقا ، أو المبذرون بالفعل ، والأموال أموالهم ، لا أموال الأولياء ، وعليه يكون ذكر هذه الآية الكريمة رجوعا لبيان شيء من الأحكام المتعلقة بأموال اليتامى ، وتفصيلا لما أجمل فيما سبق ، ويكون ذكر الأحكام المتعلقة بنكاح الأجنبيات ومهورهنّ وهبتهنّ استطرادا ، وإنما أضيفت الأموال إلى ضمير الأولياء المخاطبين مع أنها أموال اليتامى للمبالغة في حملهم على المحافظة عليها ، بتنزيل أموال اليتامى منزلة أموال الأولياء ، لما بين الولي واليتيم من الاتحاد في الجنس والنسب ، ونظيره قوله تعالى : (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) [النور : ٦١] وقوله : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء : ٢٩] فإنّ المراد لا يقتل بعضكم بعضا ، إلّا أنّه عبّر عن نوعهم بأنفسهم مبالغة في الزجر عن القتل ، حتى كأنّ قتلهم قتل أنفسهم ، وعلى هذا القياس قوله تعالى : (الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) إذ عبّر عن جعل الأموال مناطا لمعاش اليتامى بجعلها مناطا لمعاش الأولياء ، وإلى تفسير الآية بما ذكرنا ذهب عكرمة وابن جبير وكثير من متأخري المفسرين.
وروي عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم أنّ الخطاب لكلّ عاقل من الناس جميعا ، وأنّ المراد من السفهاء النساء والصبيان ، والمقصود النهي عن إيتاء المال لمن لا رشد له من هؤلاء ، وعليه تكون إضافة الأموال إلى ضمير المخاطبين على حقيقتها.
وقيل : المراد من السفهاء النساء خاصة ، سواء أكنّ أزواجا أم أمهات أم بنات.
وقيل : إنّ السفهاء عامّ في كلّ من ليس له عقل يفي بحفظ المال وحسن التصرف فيه ، ويدخل فيه الصبيّ والمجنون والمحجور عليه للتبذير.
وعلى أي تأويل ترى في قوله تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) دلالة على النهي عن تضييع المال ، ووجوب حفظه وتدبيره ، وحسن القيام عليه ، حيث قد جعله تعالى سببا في إصلاح المعاش وانتظام الأمور ، وكان السلف يقولون : المال سلاح المؤمن.