عِنْدَ اللهِ) أي أعدل في إصابة حكم الله تعالى ، لأنّه متى كتب كان إلى اليقين أقرب ، وعن الكذب أبعد ، فكان أعدل عند الله.
والقسط : اسم ، والإقساط مصدر ، يقال : أقسط يقسط إقساطا إذا عدل ، فهو مقسط ، ومنه (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [المائدة : ٤٢].
وأما قسط فهو بمعنى جار كما قال تعالى : (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (١٥)) [الجن : ١٥].
(ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ) أي أثبت لها ، وأعون على إقامتها (وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا) أي أقرب إلى ارتفاع ريبكم في جنس الدّين ونوعه ؛ وقدره ؛ وأجله.
(إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها) أي أنكم مأمورون بالكتابة إذا كان التعامل بالدين ، لكن إن كانت معاملاتكم (تِجارَةً حاضِرَةً) بحضور البدلين ، (تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ) أي تتعاملون بالبدلين يدا بيد (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) إثم في عدل الكتابة لبعده حينئذ عن التنازع.
(وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) : أي إذا كان التعامل يدا بيد فلا بأس من عدم الكتابة ، ولكن ينبغي الإشهاد على هذا التعامل ، فإنّ اليد الظاهرة ربما لا تكون محقّة ، فالإشهاد أحوط.
(وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) أي لا يضارر ـ بالكسر ـ كاتب ولا شهيد بترك الإجابة ، أو بالتغيير والتحريف في الكتابة والشهادة ، أو لا يضار ـ بالفتح ـ كاتب إلخ. أي لا يجوز للطالب أن يضارر ـ بالكسر ـ الكاتب والشهيد ، بأن يقهرهما على الانحراف في الكتابة والشهادة ، ويضغط عليهما للخروج عما حدّ لهما ، (وَإِنْ تَفْعَلُوا) ما نهيتم عنه من الضرار ، (فَإِنَّهُ) أي فعلكم هذا (فُسُوقٌ بِكُمْ) وخروج عن الطاعة ، ملتبس بكم ، أو وإن تفعلوا شيئا مما نهيتم عنه على الإطلاق فإنه فسوق إلخ.
(وَاتَّقُوا اللهَ) فيما حذركم منه من الضرار ، أو من ارتكاب شيء مما نهاكم عنه (وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) ما يصلح لكم أمر الدنيا ، كما يعلّمكم ما يصلح أمر الدين (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) لا يخفى عليه حالكم الظاهر والباطن ، فهو يجازيكم بذلك وكرر لفظ الجلالة في الجمل الثلاثة لتربية المهابة في نفس السامع ، وللإشارة إلى استقلال كل منهما بما هو مقصود منه.
وهاهنا أمور :
الأول : ذهب قوم إلى أن الكتابة والشهادة على الديون المؤجّلة واجبان بقوله (فَاكْتُبُوهُ) ، وقوله : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ) ، ثم نسخ الوجوب بقوله تعالى : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) [البقرة : ٢٨٣].