قيل : نزلت هذه الآية في أربعة إخوة من ثقيف : مسعود ، وعبد ياليل ، وحبيب ، وربيعة : بنو عمرو بن عمير الثقفي ، كانوا يداينون بني المغيرة ، فلما ظهر النبيّ صلىاللهعليهوسلم أسلم الأخوة ، ثم طالبوا برباهم بني المغيرة ، فنزلت (١).
وإن وجد شخص ذو عسرة فعاملوه بالحسنى والرحمة ، وأنظروه إلى ميسرة ، أو (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ) غريما لكم (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) فإنه عليه الصلاة والسلام يقول : «ولا يحلّ لكم دين رجل مسلم فيؤخّره إلا كان بكلّ يوم صدقة» (٢).
فلفظ (كانَ) في الآية يحتمل أن تكون تامة ، ويحتمل أن تكون ناقصة. والعسرة : اسم من الإعسار ، وهي الحالة التي يتعسّر فيها وجود المال.
والنظرة : اسم للتأخير والتأجيل.
والميسرة : مصدر بمعنى اليسر وهو الغنى.
وقرأ نافع بضم السين ، والباقون بفتحها.
(وَأَنْ تَصَدَّقُوا) على الغرماء المعسرين بالإبراء فهو (خَيْرٌ لَكُمْ) من الإنظار ، وأكثر ثوابا ، أو هو (خَيْرٌ لَكُمْ) مما تأخذونه (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) فضل التصدّق على الإنظار أو الأخذ.
قالوا : سبب نزول هذه الآية أن الأخوة الثقفيين طالبوا بني المغيرة برؤوس أموالهم ، فشكوا إليهم العسرة ، وقالوا : أخرونا إلى أن تدرك الغلات ، فأبوا تأخيرهم ، فنزلت هذه الآية.
ويؤخذ من الآية أن رب المال متى علم أنّ غريمة معسر وجب عليه إنظاره ، وإذا لا حظنا أنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب : نعلم أن الإنظار واجب عند العسر في كل دين ، لا في خصوص دين الربا.
(وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) لما كان الذين يعاملون بالربا من العظماء أصحاب الثروة والجلال ؛ والأنصار والأعوان : كانت الحالة داعية إلى مزيد من الزجر والوعيد ، حتى يمتنعوا عن الربا وأخذ أموال الناس بالباطل. ولهذا توعّدهم الله وهدّدهم بهذه الآية أيضا فقال : (وَاتَّقُوا يَوْماً) أي تشتدّ فيه الأهوال ، وتعظم الخطوب ، حتى ورد أنه يجعل الولدان شيبا ، ولهول ما يقع فيه أمر الله باتّقاء نفس اليوم ، للمبالغة في التحذير عما فيه.
وقال : (تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) أي لتوقيع الجزاء : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً
__________________
(١) انظر تفسير الطبري المسمى جامع البيان في تفسير القرآن (٣ / ٧١).
(٢) رواه أحمد في المسند (٥ / ٣٥١).