(وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) إن جرينا على ما روي عن ابن عباس يكون المراد بالحرمات : الشهر الحرام ، والبلد الحرام ، وحرمة الإحرام ، والمعنى : أنهم لما أضاعوا هذه الحرمات في سنة ست ، فقد عوّضكم الله عنها في سنة سبع.
وإن جرينا على ما روي عن الحسن فيكون المعنى : إن أقدموا على مقاتلتكم ولم يراعوا حرمة الأشهر الحرم فقاتلوهم. (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) أي : فمن اعتدى عليكم فقابلوه باعتداء مثله (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) بالمعونة والنصر.
قال الله تعالى : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥)).
لما كان الكلام في القتال : وهو كما يحتاج إلى الأنفس يحتاج إلى الأموال ـ وربما كان من عنده مال لا يقدر على النزال ، وقد يكون الشجاع لا مال له ـ أمر الله الأغنياء أن ينفقوا في سبيل الله على الفقراء الذين لا يجدون ما يحملون أنفسهم عليه في القتال.
ويروى أنه لما نزل قوله تعالى : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) قال رجل من الحاضرين : والله يا رسول الله ما لنا زاد ، وليس أحد يطعمنا. فأمر عليه الصلاة والسلام أن ينفقوا في سبيل الله ، وأن يتصدّقوا ، ولا يكفوا أيديهم عن الصدقة ولو بشق تمرة تحمل في سبيل الله. فنزلت الآية على وفق ما قال رسول الله.
والإنفاق : هو صرف المال في وجوه المصالح ، ولذلك لا يقال للمضيّع إنه منفق ، وإذا قيّد بكونه في سبيل الله فالمراد به في طريق الدين ، لأن السبيل هي الطريق ، وسبيل الله دينه.
فاللفظ يتناول كل القربات. من جهاد ؛ وحج ؛ وغير ذلك ، إلا أنّ الأقرب حمل الآية على الانفاق في الجهاد ، لأن الكلام فيه.
(وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) قيل : الباء في قوله : (بِأَيْدِيكُمْ) زائدة ، ويكون المعنى : لا تلقوا أيديكم ، وهو كقول القائل : أخذت القلم ، وأخذت بالقلم ، بمعنى واحد ، وقيل : المراد بالأيدي الأنفس ، والمعنى : لا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة ، وقد جاء استعمال اليد في النفس في قوله : (ما قَدَّمَتْ يَداهُ) [الكهف : ٥٧](فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى : ٣٠] وقال آخرون : إنّ في الكلام حذفا ، والتقدير : ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة ، والتهلكة : الهلاك ، يقال : هلك يهلك هلاكا وهلكا وتهلكة.