في الفروع أشدّ اختلاف ، وهم يد واحدة على كلّ كافر.
وقوله سبحانه :
(وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ
اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ...)
الآية : هذه
الآية تدلّ على أنّ الخطاب إنما هو للأوس والخزرج ؛ كما تقدّم ، وكانت العداوة قد
دامت بين الحيّين مائة وعشرين سنة ؛ حتى رفعها الله بالإسلام ، فجاء النّفر الستّة
من الأنصار إلى مكّة حجّاجا ، فعرض النبيّ صلىاللهعليهوسلم نفسه عليهم ، وتلا عليهم شيئا من القرآن ؛ كما كان يصنع
مع قبائل العرب ، فآمنوا به ، وأراد الخروج معهم ، فقالوا : يا رسول الله ، إن
قدمت بلدنا على ما بيننا من العداوة والحرب ، خفنا ألّا يتمّ ما نريده بك ، ولكن
نمضي نحن ، ونشيع أمرك ، ونداخل النّاس ، وموعدنا وإيّاك العام القابل ، فمضوا ،
وفعلوا ، وجاءت الأنصار في العام القابل ، فكانت العقبة الثّانية ، وكانوا اثني
عشر رجلا فيهم خمسة من السّتّة الأوّلين ، ثمّ جاءوا من العام الثّالث ، فكانت
بيعة العقبة الكبرى ، حضرها سبعون ، وفيهم اثنا عشر نقيبا.
ووصف القصّة
مستوعب في السّير ، ويسّر الله تعالى الأنصار للإسلام بوجهين :
أحدهما : أنّ
بني إسرائيل كانوا مجاورين لهم ، وكانوا يقولون لمن يتوعّدونه من العرب : يبعث لنا
الآن نبيّ نقتلكم معه قتل عاد وإرم ، فلمّا رأى النّفر من الأنصار النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال بعضهم لبعض : هذا ، والله ، النّبيّ الّذي تذكره
بنو إسرائيل ، فلا تسبقنّ إليه.
والوجه الآخر :
الحرب الّتي كانت ضرّستهم ، وأفنت سراتهم ، فرجوا أن يجمع الله به كلمتهم ، فكان
الأمر كما رجوا ، فعدّد الله سبحانه عليهم نعمته في تأليفهم بعد العداوة ، وذكّرهم
/ بها قال الفخر : كانت الأنصار قبل الإسلام أعداء ، فلما أكرمهم الله [سبحانه]
بالإسلام ، صاروا إخوانا في الله متراحمين.
واعلم أنّ كلّ
من كان وجهه إلى الدنيا ، كان معاديا لأكثر الخلق ، ومن كان وجهه إلى خدمة المولى
سبحانه ، لم يكن معاديا لأحد ؛ لأنه يرى الكلّ أسيرا في قبضة القضاء والقدر ،
ولهذا قيل : إن العارف ، إذا أمر ، أمر برفق ، ونصح لا بعنف وعسر ، وكيف ، وهو
مستبصر بالله في القدر. ا ه.
وقوله تعالى : (فَأَصْبَحْتُمْ) عبارة عن الاستمرار.
__________________