قال ص : «أصبح» : يستعمل لاتصاف الموصوف بصفته وقت الصّباح ، وبمعنى (١) «صار» ، فلا يلحظ فيها وقت الصباح ، بل مطلق الانتقال والصيرورة من حال إلى حال ، وأصبح : هنا بمعنى صار ، وما ذكره ابن عطية (٢) من أنّ «أصبح» للاستمرار ، لم يذهب إليه أحد من النّحويّين. ا ه.
قلت : وفيما ادّعاه نظر ، وهي شهادة على نفي. وكلام.
ع (٣) : واضح من جهة المعنى ، والشّفا : حرف كلّ جرم له مهوى ؛ كالحفرة ، والبئر ، والجرف ، والسقف ، والجدار ، ونحوه ، ويضاف في الاستعمال إلى الأعلى ؛ كقوله : (شَفا جُرُفٍ) [التوبة : ١٠٩] ، وإلى الأسفل ؛ كقوله : (شَفا حُفْرَةٍ) فشبّه الله كفرهم الذي كانوا عليه بالشّفا ، لأنهم كانوا يسقطون في جهنّم دأبا ، فأنقذهم الله منها بالإسلام.
وقوله تعالى : (فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) ، أي : من النّار ، ويحتمل من الحفرة ، والأول أحسن ، قال العراقيّ : أنقذكم ، أي : خلّصكم. ا ه.
وقوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) : أمر الله سبحانه الأمّة ؛ بأن يكون منها علماء يفعلون هذه الأفعال على وجوهها ، ويحفظون قوانينها ، ويكون سائر الأمّة متّبعين لأولئك ، إذ هذه الأفعال لا تكون إلّا بعلم واسع ، وقد علم الله سبحانه ؛ أنّ الكلّ
__________________
(١) أصبح من أخوات «كان» ، فإذا كانت ناقصة كانت مثل «كان» في رفع الاسم ونصب الخبر ، وإذا كانت تامة رفعت فاعلا واستغنت به ، فإن وجد منصوب بعدها فهي حال ، وتكون تامة إذا كانت بمعنى دخل في الصباح تقول : «أصبح زيد» أي دخل في الصباح ، ومثلها في ذلك «أمسى» ، قال تعالى : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) [الروم : ١٧] وقوله : (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ) [الصافات : ١٣٧] وفي أمثالهم : «إذا سمعت بسرى القين فاعلم أنّه مصبح» ؛ لأنّ القين ـ وهو الحدّاد ـ ربما قلّت صناعته في أحياء العرب فيقول : أنا غدا مسافر ، ليأتوه الناس بحوائجهم فيقيم ويترك السفر ، فأخرجوه مثلا لمن يقول قولا ويخالفه ، فالمعنى أنه مقيم في الصباح ، وتكون بمعنى «صار» عملا ومعنى كقوله :
١٣٧٩ ـ فأصبحوا كأنّهم ورق جف |
|
ف فألوت به الصّبا والدّبور |
أي : صاروا. و «إخوانا» خبرها ، وجوّزوا فيها هنا أن تكون على بابها من دلالتها على اتّصاف الموصوف بالصفة في وقت الصباح ، وأن تكون بمعنى «صار» ، وأن تكون التامة ، أي : دخلتم في الصباح ، فإذا كانت ناقصة على بابها فالأظهر أن يكون «إخوانا» خبرها. ينظر : «الدر المصون» (٢ / ١٧٨)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٤٨٤)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٤٨٥)