سبحانه : (وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ) وعيد محض ، قال الطبريّ (١) : هاتان الآيتان : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) ، وما بعدهما إلى قوله : (وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران : ١٠٥] ، نزلت بسبب رجل من اليهود ، حاول الإغراء بين الأوس والخزرج ، قال ابن إسحاق : حدّثني الثّقة عن زيد بن أسلم ، قال : مرّ شاس بن قيس اليهوديّ ، وكان شيخا قد عسا في الجاهليّة عظيم الكفر ، شديد الضّغن على المسلمين / ، والحسد لهم ؛ على نفر من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الأوس والخزرج ، وهم في مجلس يتحدّثون ، فغاظه ما رآه من جماعتهم وصلاح بينهم بعد ما كان بينهم من العداوة ، فقال : قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد ، والله ، ما لنا معهم ، إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار ، فأمر فتى شابّا من يهود ، فقال : اعمد إليهم ، واجلس معهم ، وذكّرهم يوم بعاث ، وما كان قبله من أيّام حربهم ، وأنشدهم ما قالوه من الشّعر في ذلك ، ففعل الفتى ، فتكلّم القوم عند ذلك ، فتفاخروا ، وتنازعوا حتّى تواثب رجلان من الحيّين على الرّكب أوس بن قيظيّ من الأوس ، وجبّار بن صخر من الخزرج ، فتقاولا ، ثمّ قال أحدهما لصاحبه : إن شئتم ، والله ، رددناها الآن جذعة ، فغضب الفريقان ، وقالوا : قد فعلنا ، السّلاح السّلاح! موعدكم الظّاهرة ، يريدون : الحرّة ، فخرجوا إليها وتحاوز النّاس على دعواهم الّتي كانوا عليها في الجاهليّة ، وبلغ ذلك النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين ، فقال : يا معشر المسلمين ، الله الله ، أبدعوى الجاهليّة ، وأنا بين أظهركم (٢) ، ووعظهم ، فعرف القوم ؛ أنّها نزغة من الشّيطان ، فألقوا السّلاح ، وبكوا ، وعانق النّاس بعضهم بعضا من الأوس والخزرج ، وانصرفوا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم سامعين مطيعين ، فأنزل الله في شاس بن قيس ، وما صنع هذه الآيات.
وقال الحسن وغيره : نزلت في أحبار اليهود الّذين يصدّون المسلمين عن الإسلام ، ويقولون : إن محمّدا ليس بالموصوف في كتابنا (٣).
قال ع (٤) : ولا شكّ في وقوع هذين الشيئين ، وما شاكلهما من أفعال اليهود وأقوالهم ، فنزلت الآيات في جميع ذلك ، ومعنى «تبغون» أي : تطلبون لها الاعوجاج
__________________
(١) ينظر : «تفسير الطبري» (٣ / ٣٧١)
(٢) ينظر : «السيرة النبوية» (٢ / ١٩٧ ـ ١٩٨). والحديث أخرجه الطبري (٤ / ١٦) بسنده.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٣٧٥)
(٤) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٤٨١)