مفعولين ، الأول : (مُجْرِمِيها) ، والثاني : (أَكابِرَ) ، وفي الكلام ؛ على هذا : تقديم وتأخير ، وتقديره : وكذلك جعلنا في كلّ قرية مجرميها أكابر ، وقدّم الأهمّ ؛ إذ لعلّة كبرهم أجرموا ، ويصح أن يكون المفعول الأول : «أكابر» ، و «مجرميها» (١) ؛ مضاف ، والمفعول الثاني : في قوله : (فِي كُلِّ قَرْيَةٍ) ، و (لِيَمْكُرُوا) : نصب بلام الصيرورة ؛ والأكابر : جمع أكبر ؛ كما الأفاضل جمع أفضل ، قال الفخر (٢) : وإنما جعل المجرمين أكابر ؛ لأنهم لأجل
__________________
(١) اختلف في تقديرهما ، والصحيح : أن يكون «في كلّ قرية» مفعولا ثانيا قدم على الأول ، والأول «أكابر» مضافا ل «مجرميها».
والثاني : أن يكون «في كلّ قرية» مفعولا ثانيا أيضا مقدما ، و «أكابر» هو الأول ، و «مجرميها» بدل من «أكابر» ذكر ذلك أبو البقاء.
الثالث : أن يكون «أكابر» مفعولا ثانيا قدم ، و «مجرميها» مفعول أول آخر ، والتقدير : جعلنا في كل قرية مجرميها أكابر ـ فيتعلق الجار بنفس الفعل قبله ، ذكر ذلك ابن عطية.
قال الشيخ : «وما أجازاه ـ يعني أبا البقاء وابن عطية ـ خطأ وذهول عن قاعدة نحوية ، وهو أن «أفعل» التفضيل إذا كان ب «من» ملفوظا بها أو مقدرة ، أو مضافة إلى نكرة كانت مفردة مذكرة على كل حال ، سواء كانت لمذكر أم مؤنث مفرد أو مثنى أم مجموع. وإذا ثنيت أو جمعت أو أنثت ، طابقت ما هي له ، ولزمها أحد أمرين : إمّا الألف واللام ، وإمّا الإضافة لمعرفة. وإذا تقرر ذلك ، فالقول بكون «مجرميها» بدلا ، وبكونه مفعولا أول ، و «أكابر» مفعول ثان خطأ ، لاستلزام أن يبقى «أكابر» مجموعا ، وليست فيه ألف ولام ، ولا هي مضافة لمعرفة. قال : وقد تنبه الكرماني إلى هذه القاعدة فقال : «أضاف «أكابر» إلى «مجرميها» ؛ لأن «أفعل» لا يجمع إلّا مع الألف واللام ، أو مع الإضافة». قال الشيخ : وكان ينبغي أن يقيد بالإضافة إلى معرفة. قلت : أما هذه القاعدة فمسلمة ولكن قد ذكر مكي ما ذكر ابن عطية سواء ، وما أظنه أخذ إلّا منه ، وكذلك الواحدي أيضا ، ومنع أن يجوز إضافة «أكابر» إلى «مجرميها». قال الواحدي ـ رحمهالله ـ : «والآية على التقديم والتأخير ، تقديره : جعلنا مجرميها أكابر ، ولا يجوز أن يكون «الأكابر» مضافة ، لأنه لا يتم المعنى ، ويحتاج إلى إضمار المفعول الثاني للجعل ، لأنك إذا قلت : جعلت زيدا ، وسكت ، لم يفد الكلام حتّى تقول : رئيسا أو ذليلا أو ما أشبه ذلك ، ولأنك إذا أضفت «الأكابر» فقد أضفت النعت إلى المنعوت ، وذلك لا يجوز عند البصريين». قلت : هذان الوجهان اللذان ردّ بهما الواحدي ليسا بشيء. أما الأول فلا نسلم أنا نضمر المفعول الثاني ، وأنه يصير الكلام غير مفيد ، وما أورده من الأمثلة فليس مطابقا ، لأنا نقول : إنّ المفعول الثاني هنا مذكور مصرح ، وهو الجار والمجرور السابق. وأما الثاني فلا نسلم أنه من باب إضافة الصفة لموصوفها ، لأن المجرمين : أكابر ، وأصاغر ، فأضاف للبيان ، لا لقصد الوصف.
الرابع : أن المفعول الثاني محذوف. قالوا : وتقديره : جعلنا في كلّ قرية أكابر مجرميها فسّاقا ليمكروا. وهذا ليس بشيء ؛ لأنه لا يحذف شيء ، إلا الدليل ، والدليل على ما ذكروه غير واضح. وقال ابن عطية : ويقال : أكابرة ، كما يقال : أحمر وأحامرة.
ينظر : «الدر المصون» (٣ / ١٧١ ـ ١٧٢)
(٢) ينظر : «تفسير الرازي» (١٣ / ١٤٣)