رياستهم أقدر على الغدر والمكر وركوب الباطل من غيرهم ؛ ولأن كثرة المال والجاه يحملان الإنسان على المبالغة في حفظهما ؛ وذلك الحفظ لا يتمّ إلا بجميع الأخلاق الذميمة ؛ كالغدر والمكر والكذب والغيبة والنّميمة والأيمان الكاذبة ؛ ولو لم يكن للمال والجاه سوى أنّ الله تعالى حكم بأنه إنما وصف بهذه الأوصاف الذميمة من كان له مال وجاه ، لكفى ذلك دليلا على خساسة المال والجاه. انتهى ، وما ذكره من المال والجاه هو الأغلب.
(وَما يَشْعُرُونَ) ، أي : ما يعلمون.
وقوله سبحانه : (وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ) ، أي : علامة ودليل على صحّة الشرع ، تشطّطوا ، وقالوا : لن نؤمن حتّى يفلق لنا البحر ، ويحيى لنا الموتى ، ونحو ذلك ، فردّ الله تعالى عليهم بقوله : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) فيمن اصطفاه ، وانتخبه ، لا فيمن كفر ، وجعل يتشطّط على الله سبحانه ، قال الفخر (١) : قال المفسّرون : قال الوليد بن المغيرة (٢) : لو كانت النبوّة حقّا ، لكنت أولى بها ، قال الضّحّاك : أراد كلّ واحد من هؤلاء الكفرة أن يخصّ بالوحي والرسالة ؛ كما أخبر عنهم سبحانه : (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) [المدثر : ٥٢] انتهى.
ثم توعّد سبحانه بأن هؤلاء المجرمين الأكابر في الدنيا سيصيبهم عند الله صغار وذلّة.
(فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (١٢٥) وَهذا صِراطُ
__________________
(١) ينظر : «تفسير الرازي» (١٣ / ١٤٣)
(٢) الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم ، أبو عبد شمس : من قضاة العرب في الجاهلية ، ومن زعماء قريش ، ومن زنادقتها. يقال له «العدل» ؛ لأنه كان عدل قريش كلها : كانت قريش تكسو «البيت» جميعها ، والوليد يكسوه وحده. وكان ممن حرم الخمر في الجاهلية ، وضرب ابنه هشاما على شربها. وأدرك الإسلام ، وهو شيخ هرم ، فعاداه وقاوم دعوته. قال ابن الأثير : وهو الذي جمع قريشا ، وقال : «إن الناس يأتونكم أيام الحج ، فيسألونكم عن محمد ، فتختلف أقوالكم فيه ، فيقول هذا : كاهن : ويقول هذا : شاعر ، ويقول هذا : مجنون ؛ وليس يشبه واحدا مما يقولون ، ولكن أصلح ما قيل فيه : «ساحر» ؛ لأنه يفرق بين المرء وأخيه ، والزوج وزوجته!» وهلك بعد الهجرة بثلاثة أشهر ، ودفن بالحجون. وهو والد سيف الله خالد بن الوليد.
ينظر : «الأعلام» (٨ / ١٢٢) ، «الكامل» لابن الأثير (٢ / ٢٦) ، «اليعقوبي» (١ / ٢١٥)