فارس (١) ، وذلك أنهم كانوا يوالون قريشا على عداوة النبيّ صلىاللهعليهوسلم : (لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ) ؛ من قريش (لِيُجادِلُوكُمْ) ؛ بقولهم : تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله ؛ فذلك من مخاطبتهم هو الوحي ، والأولياء هم قريش ، وقال ابن زيد وعبد الله بن كثير : بل الشياطين الجنّ ، واللفظة على وجهها ، وأولياؤهم : كفرة قريش ، ووحيهم بالوسوسة ، وعلى ألسنة الكهّان.
ثم نهى سبحانه عن طاعتهم بلفظ يتضمّن الوعيد وعرض أصعب مثال في أن يشبه المؤمن بالمشرك ، قال ابن العربيّ (٢) : قوله تعالى : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ) ، سمّى الله تعالى ما يقع في القلوب من الإلهام وحيا / ، وهذا مما يطلقه شيوخ المتصوّفة ، وينكره جهّال المتوسّمين بالعلم ، ولم يعلموا أن الوحي على ثمانية أقسام ، وأن إطلاقه في جميعها جائز في دين الله. انتهى من «أحكام القرآن».
(أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢) وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ (١٢٣) وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ)(١٢٤)
وقوله سبحانه : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) ، لما تقدّم ذكر المؤمنين ، وذكر الكافرين ، مثّل سبحانه في الطائفتين بأن شبّه الذين آمنوا بعد كفرهم بأموات أحيوا ، هذا معنى قول ابن عباس (٣) ومجاهد وغيرهما ، وشبّه الكافرين وحيرة جهلهم بقوم في ظلمات يتردّدون فيها ، ولا يمكنهم الخروج منها ؛ ليبيّن عزوجل الفرق بين الطائفتين ، والبون (٤) بين المنزلتين ، و (نُوراً) أمكن ما يعني به الإيمان ، قيل : ويحتمل أن يراد به النّور الذي يؤتاه المؤمن يوم القيامة ، و (جَعَلْنا) ؛ في هذه الآية : بمعنى صيّرنا ، فهي تتعدّى إلى
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٢ / ٣٤٠)
(٢) ينظر : «أحكام القرآن» (٢ / ٧٤٧)
(٣) أخرجه الطبري (٥ / ٣٣٢) برقم (١٣٨٤٣ ، ١٣٨٤٤ ، ١٣٨٤٥) عن مجاهد وبرقم (١٣٨٤٦ ، ١٣٨٤٧) عن ابن عباس ، وبرقم (١٣٨٤٩) عن السدي ، وبرقم (١٣٨٥٠) عن ابن زيد ، وذكره ابن عطية (٢ / ٣٤١) ، والسيوطي (٣ / ٨١) وعزاه لابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ عن ابن عباس ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وأبي الشيخ عن مجاهد.
(٤) البون والبون : مسافة ما بين الشيئين. ينظر : «لسان العرب» (٣٩١)