فردّ عليه ثلاث مرّات في كلّ ذلك يسكت رسول الله ، ثمّ قال : «أين السّائل» فقال : أنا ذا ، يا رسول الله ، قال : «ما أنكر قلبك ، فدعه» (١). انتهى ، وقد ذكرنا معناه من طرق في غير هذا الموضع ، فأغنى عن إعادته.
ثم توعّد تعالى كسبة الإثم بالمجازاة على ما اكتسبوه من ذلك ، والاقتراف : الاكتساب.
وقوله سبحانه : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ...) الآية : مقصد الآية النهي عن الميتة ؛ إذ هي جواب لقول المشركين : تتركون ما قتل الله ، ومع ذلك ، فلفظها يعمّ ما تركت التسمية عليه من ذبائح الإسلام (٢) ، وبهذا العموم تعلّق ابن عمر وابن سيرين والشّعبيّ وغيرهم ؛ فقالوا : ما تركت التسمية عليه ، لم يؤكل ، عمدا كان أو نسيانا (٣) ، وجمهور العلماء على أنه يؤكل إن كان تركها نسيانا ؛ بخلاف العمد ، وقيل : يؤكل ، سواء تركت عمدا أو نسيانا ، إلا أن يكون مستخفّا.
وقوله تعالى : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ ...) الآية : قال عكرمة : هم مردة الإنس من مجوس
__________________
(١) أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (ص ٢٨٣ ـ ٢٨٤) رقم (٨٢٤)
(٢) أجمع الفقهاء على مشروعية التسمية عند الذبح ، وعند الإرسال : والرمي إلى الصيد.
ولكنهم اختلفوا في كونها شرطا في حل الأكل : فذهب الشافعي وأصحابه إلى أنها سنة ، فلو تركها عمدا أو سهوا ، حل الصيد والذبيحة.
وهي رواية عن «مالك» ، و «أحمد».
وروي ذلك عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، وعطاء ، وسعيد بن المسيب والحسن ، وجابر بن زيد ، وعكرمة ، وأبي عياض ، وأبي رافع ، وطاوس ، وإبراهيم النخعي ، وعبد الرّحمن بن أبي ليلى ، وقتادة. وذهب أبو حنيفة ـ رحمهالله تعالى ـ إلى أن التسمية شرط للإباحة مع الذكر دون النسيان ، فإن تركها عمدا ، فالذبيحة ميتة.
وهو مذهب جماهير العلماء ، والصحيح من مذهب مالك ـ رضي الله عنه ـ ، والمشهور عن أحمد في الذبيحة.
وقال أهل الظاهر : إن تركها عمدا ، أو سهوا لم يحل.
وهو الصحيح عن أحمد في الصيد.
وروي عن ابن سيرين ، وعبد الله بن عياش ، وعبد الله بن عمر ، ونافع ، وعبد الله بن يزيد الخطمي ، والشعبي ، وأبي ثور.
ينظر : «الزكاة» ، لشيخنا عبد الله حمزة.
(٣) أخرجه الطبري (٥ / ٣٢٩) عن ابن سيرين برقم (١٣٨٣٢) ، وذكره البغوي (٢ / ١٢٧) ، وابن عطية (٢ / ٣٤٠) ، وابن كثير (٢ / ١٦٩) والسيوطي (٣ / ٨٠) ، وعزاه لعبد بن حميد ، عن محمد بن سيرين.