(قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (٥٨) وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ)(٥٩)
وقوله سبحانه : (قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) : المعنى : لو كان عندي الآيات المقترحة ، أو العذاب ؛ على التأويل الآخر ، لقضي الأمر ، أي : لوقع الانفصال ، وتمّ النزاع ؛ لظهور الآية المقترحة ، أو لنزول العذاب ؛ بحسب التأويلين ، وقيل : المعنى : لقامت القيامة ، وقوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ) : يتضمّن الوعيد والتّهديد.
وقوله تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) : مفاتح : جمع مفتح ، وهذه استعارة ؛ عبارة عن التوصّل إلى الغيوب ؛ كما يتوصّل في الشاهد بالمفتاح إلى المغيّب ، ولو كان جمع «مفتاح» ، لقال : مفاتيح ، ويظهر أيضا أنّ «مفاتح» جمع «مفتح» ـ بفتح الميم ـ ، أي : مواضع تفتح عن المغيّبات ؛ ويؤيّد هذا قول السّدّيّ وغيره : (مَفاتِحُ الْغَيْبِ) : خزائن الغيب ، فأما مفتح (١) ـ بالكسر ـ ، فهو بمعنى مفتاح ، قال الزّهراويّ : ومفتح أفصح ، وقال ابن عبّاس وغيره : الإشارة بمفاتح الغيب هي إلى الخمسة في آخر لقمان : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ...) (٢) [لقمان : ٣٤] الآية ، قلت : وفي «صحيح البخاريّ» ، عن سالم بن عبد الله (٣) ، عن أبيه ؛ أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «مفاتح الغيب خمس لا يعلمهنّ إلّا الله : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ
__________________
(١) أخرجه الطبري (٥ / ٢١٠) برقم (١٣٣٠٨) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٢٩٩) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٢٨) ، وعزاه لابن جرير ، وابن أبي حاتم عن السدي.
(٢) أخرجه الطبري (٥ / ٢١٠ ، ٢١١) برقم (١٣٣١٠) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٢٩٩). وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٨) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن عباس.
(٣) سالم بن عبد الله بن عمر العدوي المدني الفقيه أحد السبعة وقيل : السابع أبو سليمان بن عبد الرّحمن. وقيل : أبو بكر بن عبد الرّحمن بن الحارث ، قاله أبو الزناد. عن أبيه ، وأبي هريرة ، ورافع بن خديج ، وعائشة. وعنه : ابنه أبو بكر ، وعبيد الله بن عمر ، وحنظلة بن أبي سفيان. قال ابن إسحاق : أصح الأسانيد كلها الزهري ، عن سالم ، عن أبيه. وقال مالك : كان يلبس الثوب بدرهمين.
وعن نافع : كان ابن عمر يقبّل سالما ، ويقول : شيخ يقبل شيخا. وقال البخاري : لم يسمع من عائشة. مات سنة ست ومائة على الأصح.
ينظر : «تهذيب الكمال» (١ / ٤٦٠) ، «تهذيب التهذيب» (٣ / ٤٣٦) ، «الكاشف» (٣ / ٣٤٤) ، «الثقات» (٤ / ٣٠٥) ، «سير الأعلام» (٤ / ٤٥٧)