وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [لقمان : ٣٤]» انتهى (١).
وقوله سبحانه : (مِنْ وَرَقَةٍ) ، أي : من ورق النّبات ، (وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ) ، يريد : في أشدّ حال التّغيّب ، وحكى بعض النّاس عن جعفر بن محمّد قولا : / أنّ الورقة يراد بها السّقط من أولاد بني آدم ، والحبّة : يراد بها الذي ليس بسقط ، والرّطب يراد به الحيّ ، واليابس يراد به الميّت ، وهذا قول جار على طريقة الرّموز ، ولا يصحّ عن جعفر بن محمّد ، ولا ينبغي أن يلتفت إليه (٢).
وقوله تعالى : (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) ، قيل : يعني كتابا على الحقيقة ، ووجه الفائدة فيه امتحان ما يكتبه الحفظة ، وذلك أنّه روي أنّ الحفظة يرفعون ما كتبوه ، ويعارضونه بهذا الكتاب المشار إليه ؛ ليتحقّقوا صحّة ما كتبوه ، وقيل : المراد بقوله : (إِلَّا فِي كِتابٍ) : علم الله عزوجل المحيط بكلّ شيء.
قال الفخر (٣) : وهذا هو الأصوب ، ويجوز أن يقال : ذكر تعالى ما ذكر من الورقة والحبّة ؛ تنبيها للمكلّفين على أمر الحساب. انتهى.
قال مكّيّ : قال عبد الله بن الحارث : ما في الأرض شجر ، ولا مغرز إبرة إلّا عليها ملك ، موكّل ، يأتي الله بعلمها بيبسها إذا يبست ، ورطوبتها إذا رطبت (٤).
وقيل : المعنى في كتبها ؛ أنه لتعظيم الأمر ، ومعناه : اعلموا أنّ هذا الذي ليس فيه ثواب ولا عقاب ـ مكتوب ؛ فكيف ما فيه ثواب أو عقاب. انتهى من «الهداية».
(وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ
__________________
(١) أخرجه البخاري (٨ / ١٤١) كتاب «التفسير» ، باب وعنده مفاتيح الغيب ، حديث (٤٦٢٧) ، والطيالسي (٢ / ٢٢ ـ منحة) رقم (١٩٦٦) ، وأبو يعلى (٩ / ٣٤٥) رقم (٥٤٥٦) كلهم من طريق الزهري ، عن سالم ، عن أبيه به.
وأخرجه البخاري (٢ / ٦٠٩) كتاب «الاستسقاء» ، باب لا يدري متى يجيء المطر إلا الله ، حديث (١٠٣٩) وأحمد (٢ / ٢٤ ، ٥٢ ، ٥٨) ، من طريق عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر به.
(٢) ذكره ابن عطية (٢ / ٣٠٠)
(٣) ينظر : «مفاتيح الغيب» (١٣ / ١٠)
(٤) أخرجه الطبري (٥ / ٢١١) برقم (١٣٣١١) ، وذكره ابن كثير (٢ / ١٣٧)