وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ...) الآية : تسلية لنبيّه ـ عليهالسلام ـ وتقوية لنفسه ؛ بسبب ما كان يلقى من طوائف المنافقين واليهود ، والمعنى : قد وعدناك النصر والظهور عليهم ، فلا يحزنك ما يقع منهم ، ومعنى المسارعة في الكفر : البدار إلى نصره ، والسعي في كيد الإسلام ، وإطفاء نوره ، قال مجاهد وغيره : قوله تعالى : (مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) يراد به المنافقون (١).
وقوله : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ) : يراد به اليهود ، ويحتمل أن يراد به اليهود مع المنافقين ؛ لأن جميعهم يسمع الكذب ، بعضهم من بعض ، ويقبلونه ؛ ولذلك جاءت عبارة سماعهم في صيغة المبالغة ؛ إذ المراد أنهم يقبلون ويستزيدون من ذلك.
وقوله سبحانه : (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ) : يحتمل أن يريد : يسمعون منهم ، وذكر الطبريّ (٢) عن جابر ؛ أن المراد بالقوم الآخرين يهود فدك (٣) ، وقيل : يهود خيبر ، ويحتمل أن يكون معنى (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ) بمعنى : جواسيس مسترقين الكلام ؛ لينقلوه لقوم آخرين ، وهذا مما يمكن أن يتّصف به المنافقون ويهود المدينة ، قلت : وهذا هو الذي نصّ عليه ابن إسحاق في السّير (٤).
قال ع (٥) : وقيل لسفيان بن عيينة : هل جرى للجاسوس ذكر في كتاب الله عزوجل؟ فقال : نعم ، وتلا هذه الآية : (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ).
وقوله سبحانه : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) : هذه صفة اليهود في معنى ما حرّفوه من التوراة ، وفيما يحرّفونه من الأقوال عند كذبهم (مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) ، أي : من بعد أن وضع مواضعه ، وقصدت به وجهه القويمة ، يقولون إن أوتيتم هذا ، فخذوه ، روي أنّ يهود فدك قالوا ليهود المدينة : استفتوا محمّدا ، فإن أفتاكم بما نحن عليه من الجلد والتّجبيه ، فخذوه ، وإن أفتاكم بالرّجم ، فاحذروا الرجم ؛ قاله الشعبيّ وغيره (٦) وقيل غير هذا من وقائعهم ، فالإشارة ب (هذا) إلى التحميم والجلد في الزنا ، على قول ، ثم قال
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥٧٤) برقم (١١٩٣١) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢ / ١٩١)
(٢) ينظر : «الطبري» (٤ / ٥٧٥)
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥٧٤) برقم (١١٩٣٣) ، وذكره ابن عطية (٢ / ١٩٢)
(٤) ذكره ابن عطية ، (٢ / ١٩٢)
(٥) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ١٩٢)
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥٧٧) برقم (١١٩٤٠)