وقوله سبحانه : (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ...) الآية :
__________________
ـ قول علي.
فهذه الآثار جميعها صريحة في أن ما يقطع من السارق إنما هو اليد اليمنى ، والرجل اليسرى ، ثم إن عاد إلى السرقة بعد قطعهما ، أودع السجن حتى يظهر صلاح حاله.
واستدل المالكية ، والشافعية بأدلة : منها ما يخص اليدين ، ومنها ما يعم اليدين والرجلين.
أما ما يخص اليدين : فأولا : قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) [المائدة : ٣٨] فإن اسم السيد يطلق على اليد اليسرى ، كما يطلق على اليد اليمنى ... وقد أمر الله ـ تعالى ـ بقطع يدي كل من السارق والسارقة ، فظاهر النص قطعهما معا لولا قيام الإجماع على عدم قطعهما معا في سرقة واحدة ، وعلى عدم الابتداء باليسرى.
وأجيب عنه بأن نص الآية لا يتناول اليد اليسرى لتقييده باليمنى من قراءة عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ.
وثانيا : ما رواه مالك في «الموطأ» عن عبد الرّحمن بن القاسم ، عن أبيه ؛ أن رجلا من اليمن أقطع اليد والرجل قدم فنزل على أبي بكر الصديق ، فشكا إليه أن عامل اليمن ظلمه ، فكان يصلي من الليل ، فيقول أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ وأبيك ما ليلك بليل سارق ثم إنهم غدوا عند أسماء بنت عيمس امرأة أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ فجعل الرجل يطوف معهم ، ويقول : اللهم عليك بمن بيت أهل هذا البيت الصالح ، فوجدوا الحلي عند صائغ زعم أن الأقطع جاء به ، فاعترف الأقطع ، أو شهد عليه ، فأمر به أبو بكر فقطعت يده اليسرى. وقال أبو بكر : لدعاؤه على نفسه أشد عليه من سرقته فهذا أشد صريح في أن اليد اليسرى محل للقطع ، وإلا لما صح لأبي بكر قطعها.
وأجيب عنه : بأن سارق حلي أسماء لم يكن أقطع اليد ، والرجل ، بل كان أقطع اليد اليمنى فقط ، فقد قال محمد بن الحسن في «موطئه» : قال الزهري : ويروى عن عائشة ؛ قالت : إنما كان الذي سرق حلي أسماء أقطع اليد اليمنى ، فقطع أبو بكر رجله اليسرى ، قال : وكان ابن شهاب أعلم بهذا الحديث من غيره.
وأما ما يعم اليدين ، والرجلين : فما رواه الدار قطني من طريق الواقدي ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا سرق السّارق فاقطعوا يده ، فإن عاد فاقطعوا رجله ، فإن عاد فاقطعوا يده ، فإن عاد فاقطعوا رجله» فهذا الحديث صريح في أن القطع يتعلق بجميع أطراف السارق.
وأجيب عنه : بأنه لا يصلح للاحتجاج ، فإن في طريقه الواقدي ، وفيه مقال ، وقد روي هذا المعنى من طرق كثيرة لم تسلم من الطعن. فقد قال الطحاوي : تتبعنا هذه الآثار ، فلم نجد بشيء منها أصلا ومما يدل على عدم صلاحيته للحجبة عدم استدلال الصحابة به حينما استشارهم علي ـ رضي الله عنه ـ في سارق أقطع اليد والرجل ، فلم يقطعه ، وجلده جلدا شديدا ، ودعوى الجهل به بعيدة ، فإن مثل هذا لا يخفى على الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ فعدم احتجاجهم به ليس إلا لضعفه ، أو نسخه ، فإن الحدود كان فيها تغليظ في الابتداء ، ألا ترى أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قطع أيدي العرنيين ، وسمل أعينهم ، ثمّ نسخ ذلك.
واستدل داود ، ومن وافقه بقوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) [المائدة : ٣٨].
ووجه الدلالة : أن الله ـ تعالى ـ قد نص على قطع اليدين ، ولم ينص على قطع الرجلين ، فلو كان قطع الرجلين مطلوبا لأمر به ـ تعالى ـ والسنة لم يرد فيها من طريق صحيح ما يفيد قطعهما في السرقة ، والذي ورد في السنة صحيحا جميعه يتعلق بقطع اليد ، فقد قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «لو سرقت فاطمة بنت ـ