وقوله تعالى : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) : خطاب للقوم الذين يتعصّبون لأهل الرّيب والمعاصي ، ويندرج في طيّ هذا العموم أهل النازلة ، وهو الأظهر عندي ؛ بحكم التأكيد بهؤلاء ، وهي إشارة إلى حاضرين ، ومن «مصابيح البغوّي» عن أبي داود ، عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «من حالت شفاعته دون حدّ من حدود الله ، فقد ضادّ الله ، ومن خاصم في باطل ، وهو يعلمه لم يزل في سخط الله ، حتّى ينزع ، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه ، أسكنه الله ردغة الخبال ؛ حتّى يخرج ممّا قال» (١) ، ويروى : «من أعان على خصومة لا يدري أحقّ أم باطل ، فهو في سخط الله ؛ حتّى ينزع». انتهى.
وقوله تعالى : (فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ...) الآية : وعيد محض ، ولمّا تمكّن هذا الوعيد ، وقضت العقول بأن لا مجادل لله سبحانه ، ولا وكيل يقوم بأمر العصاة عنده ، عقّب ذلك بهذا الرّجاء العظيم ، والمهل المنفسح ، فقال : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ...) الآية ، وباقي الآية بيّن.
(وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (١١٢) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً)(١١٣)
وقوله تعالى : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً) ، ذهب بعض النّاس إلى أنهما لفظان بمعنى ، كرّر ؛ لاختلاف اللفظ ، وقال الطّبريّ (٢) : إنما فرق بين الخطيئة والإثم ؛ لأنّ الخطيئة تكون عن عمد ، وعن غير عمد ، والإثم لا يكون إلا عن عمد ، وهذه الآية لفظها عامّ ، ويندرج تحت ذلك العموم أهل النازلة المذكورة ، وبريء النّازلة ، وهو لبيد ، كما تقدّم ، أي : ويتناول عموم الآية كلّ بريء.
وقوله : (فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً) : تشبيه ، إذ الذنوب ثقل ووزر ، فهي كالمحمولات ، و (بُهْتاناً) : معناه : كذبا ، ثم وقف الله تعالى نبيّه على مقدار عصمته له ، وأنها بفضل منه
__________________
(١) أخرجه أبو داود (٢ / ٣٢٩) ، كتاب «الأقضية» ، باب فيمن يعين على خصومة من غير أن يعلم أمرها ، حديث (٣٥٩٧) ، وأحمد (٢ / ٧٠) ، والحاكم (٢ / ٢٧) كلهم من طريق عمارة بن غزية عن يحيى بن راشد عن عبد الله بن عمر مرفوعا.
وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي.
(٢) ينظر الطبري (٤ / ٢٧٤)