سبحانه ورحمته.
وقوله تعالى : (لَهَمَّتْ) : معناه : لجعلته همّها وشغلها ، حتى تنفذه ؛ وهذا يدلّ على أنّ الألفاظ عامّة في غير أهل النّازلة ، وإلّا فأهل التعصّب لبني أبيرق قد وقع همّهم وثبت ، ثم أخبر تعالى أنهم لا يضلّون إلّا أنفسهم ، وما يضرّونك من شيء ، قلت : ثم ذكر سبحانه ما أنعم به على نبيه من إنزال الكتاب ، والحكمة ، وتعليمه ما لم يكن يعلم ، قال ابن العربيّ في رحلته : اعلم أنّ علوم القرآن ثلاثة أقسام : توحيد ، وتذكير ، وأحكام ، وعلم التذكير هو معظم القرآن ، فإنه مشتمل على الوعد والوعيد ، والخوف والرجاء ، والقرب وما يرتبط بها ، ويدعو إليها ويكون عنها ، وذلك معنى تتّسع أبوابه ، وتمتدّ أطنابه. انتهى ، وباقي الآية وعد كريم لنبيّه ـ عليهالسلام ـ ، وتقرير نعمه لديه سبحانه ، لا إله غيره.
(لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)(١١٤)
وقوله تعالى : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ...) الآية : الضّمير في (نَجْواهُمْ) : عائد على النّاس أجمع ، وجاءت هذه الآيات عامّة التناول ، وفي عمومها يندرج أصحاب النّازلة ، وهذا من الفصاحة والإيجاز المضمّن الماضي والغابر في عبارة واحدة ، قال النوويّ / وروّينا في كتابي «الترمذيّ» و «ابن ماجة» ، عن أمّ حبيبة (١) (رضي الله عنها) ، عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «كلّ كلام ابن آدم عليه لا له إلّا أمرا بمعروف ، أو نهيا عن منكر ، أو ذكرا لله تعالى» (٢). انتهى.
__________________
(١) هي : رملة بنت أبي سفيان (صخر) بن حرب بن أمية بن عبد شمس .. أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها القرشية الأموية. أمها : صفية بنت أبي العاص عمة عثمان بن عفان. ميلادها : ولدت قبل البعثة بسبعة عشر عاما.
قال ابن الأثير في «الأسد» : كانت من السابقين إلى الإسلام ، وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها عبيد الله (بن جحش) ؛ فولدت هناك حبيبة فتنصر عبيد الله ومات بالحبشة نصرانيا ، وبقيت أم حبيبة مسلمة بأرض الحبشة ، فأرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يخطبها إلى النجاشي ..
قال ابن إسحاق : تزوجها رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد زينب بنت خزيمة الهلالية.
توفيت رحمها الله سنة (٤٤).
تنظر ترجمتها في : «أسد الغابة» (٧ / ١١٤ ، ٣١٥) ، «الإصابة» (٨ / ٨٤ ، ٢٢٢) ، «الثقات» (٣ / ١٣١) ، «بقي بن مخلد» (٥٢) ، «تجريد أسماء الصحابة» (٢ / ٢٦٨) ، «تقريب التهذيب» (٢ / ٦٢٠) ، «تهذيب التهذيب» (١٢ / ٤١٩) ، «تهذيب الكمال» (٣ / ١٦٨٣) ، «أعلام النساء» (١ / ٣٩٧) ، «الكاشف» (٣ / ٤٧١)
(٢) أخرجه الترمذي (٤ / ٦٠٨) ، كتاب «الزهد» ، باب (٦٢) ، حديث (٢٤١٢) ، وابن ماجه (٢ / ١٣١٥) ، ـ