__________________
ـ وقد كانت المتعة منتشرة عند العرب في الجاهلية ، فكان الرجل يتزوج المرأة مدة ثم يتركها من غير أن يرى العرب في ذلك غضاضة ، فلما جاء الإسلام أقرهم على ذلك في أول الأمر ، ولم نعلم أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم نهى عن المتعة إلا في غزوة خيبر في السنة السابعة من الهجرة ؛ فقد روي عن علي (رضي الله عنه) أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «نهى عن متعة النّساء يوم خيبر ، وعن أكل لحوم الحمر الإنسيّة» واستمر الأمر على ذلك ، حتى فتح «مكة» حيث ثبت أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أباحها ثلاثة أيام ، وفي بعض الروايات أنه أباحها يوم «أوطاس» ، ولكن الحقيقة أن ذلك كان في يوم الفتح ، ومن قال : يوم «أوطاس» ، فذلك لاتصالها بها ، ثم حرمها رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد ذلك إلى يوم القيامة.
فيعلم من هذا أن المتعة كانت مباحة قبل خيبر ، ثم حرمت في خيبر ، ثم أبيحت يوم الفتح ، ثم حرمت بعد ذلك إلى يوم القيامة ، فتكون المتعة مما تناولها التحريم والإباحة مرتين ..
وقد نشأ من هذا الاختلاف في المتعة بين الصحابة ، فمنهم من يرى أن إباحة المتعة قبل خيبر كانت للضرورة وللحاجة ، ثم لما ارتفعت الحاجة في خيبر نهى عنها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم لما تجددت الحاجة عام الفتح أذن فيها ، ولما ارتفعت الحاجة نهى عنها ، وعليه فتكون المتعة مباحة عند الحاجة ، وبهذا كان يقول ابن عباس (رضي الله عنهما) إلا أنه رجع عنه كما سيأتي بيانه.
ومنهم من يرى أن نهي النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن المتعة يوم خيبر كان نسخا لها ، ثم رفع النسخ في يوم الفتح ثلاثة أيام ، ثم نسخت بعد ذلك إلى يوم القيامة ، وإلى هذا ذهب جمهور الصحابة.
وقد اختلف الفقهاء بعد ذلك في المتعة هل هي محرمة ، فتكون من الأنكحة الفاسدة ، أو مباحة ، فتكون من الأنكحة الصحيحة.
فذهب الجمهور إلى القول بتحريمها ، وأنها من الأنكحة الفاسدة التي تفسخ مطلقا قبل الدخول وبعده ، وهو مذهب الأئمة الأربعة.
وذهب الإمامية من الشيعة إلى القول بإباحة نكاح المتعة إلى يوم القيامة ، بل منهم من تغالى في ذلك وقال : إنها قربة ، وعليه فالخلاف في المتعة بين الجمهور والإمامية. ولما لم أجد كتابا من كتب الإمامية أثق به لأستطيع استيفاء الكلام على مذهبهم في المتعة رأيت أن أكتفي بما قاله شرف الدين الصنعاني ، وهو من علماء الشيعة ؛ فإنه بعد أن ذكر الحديث عن علي قال ما نصه : «والحديث يدل على تحريم نكاح المتعة ؛ للنهي عنه ، وهو النكاح المؤقت إلى أمد مجهول أو معلوم ، وغايته إلى خمسة وأربعين يوما ، ويرتفع النكاح بانقضاء الوقت المذكور في المنقطعة الحيض ، والحائض بحيضتين ، والمتوفى عنها بأربعة أشهر وعشر ، ولا يثبت لها مهر ولا نفقة ، ولا توارث ، ولا عدة إلا الاستبراء بما ذكر ، ولا نسب يثبت به إلا أن يشترط ، وتحرم المصاهرة بسببه». هكذا ذكره في بعض كتب الإمامية وإنا أذكر دليل الإمامية والرد عليه :
استدل الإمامية على القول بإباحة المتعة بالكتاب ، والأثر ، والمعقول ، والإجماع.
أما الكتاب ، فقول الله تعالى : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) [النساء : ٢٤] فإنهم حملوا الاستمتاع في الآية على المتعة ، وقالوا : المراد بقوله تعالى : (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) أجر المتعة ، ومما يؤيد أن الآية في المتعة قراءة أبي وابن عباس : «فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل» ، فهي صريحة في المتعة. وأما الأثر : فأولا : بما روي أن ابن عباس كان يفتي بالمتعة ، ووجه الدلالة من هذا أنهم قالوا : لو لم تكن ـ