«وهل تزني الحرّة» ، وتستعمله في الإسلام ؛ لأنه حافظ ، وتستعمله في العفّة (١) ؛ لأنها إذا ارتبط بها إنسان ، وظهرت على شخص ما ، وتخلّق بها ، فهي منعة وحفظ.
وحيثما وقعت اللفظة في القرآن ، فلا تجدها تخرج عن هذه المعاني ، لكنّها قد تقوى فيها بعض هذه المعاني دون بعض ؛ كما سيأتي بيانه في مكانه (إن شاء الله).
فقوله سبحانه في هذه الآية : (وَالْمُحْصَناتُ) قال فيه ابن عبّاس وغيره : هنّ ذوات الأزواج ، محرّمات إلّا ما ملكت اليمين بالسّبي (٢) ، وروي عن ابن شهاب ؛ أنه سئل عن هذه الآية : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) ، فقال : نرى أنه حرّم في هذه الآية ذوات الأزواج ، والعفائف من حرائر ومملوكات ، ولم يحلّ شيء من ذلك إلّا بنكاح ، أو شراء ، أو تملّك (٣) ، وهذا قول حسن عمّم لفظ الإحصان ، ولفظ ملك اليمين ، وذلك راجع إلى أنّ الله حرّم الزنا ، قال عبيدة السّلمانيّ وغيره : قوله سبحانه : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) : إشارة إلى ما ثبت من القرآن من قوله سبحانه : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) (٤) [النساء : ٣] ؛ وفي هذا بعد ،
__________________
ـ طلحة عن سعد موقوفا ومرسلا ا ه. وقد خولف مؤمل في هذا الحديث ؛ خالفه عبد الرزاق وأبو عامر ، فروياه عن الثوري عن خالد بن سلمة المخزومي عن عيسى بن طلحة قال : نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة.
أخرجه عبد الرزاق (٦ / ٢٦٣) رقم (١٠٧٦٧) ، وأبو داود في «المراسيل» (ص ١٨٢) رقم (٢٠٨)
(١) قال صاحب «لسان العرب» :
العفة : الكف عما لا يحل ويجمل : عف عن المحارم والأطماع الدّنيّة يعف عفة ، وعفّا ، وعفافا ، وعفافة ، فهو عفيف. وعفّ أي : كف ، وتعفف ، واستعفف وأعفه الله ، وفي التنزيل : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً) [النور : ٣٣] فسّره ثعلب فقال : ليضبط نفسه بمثل الصوم ، وفي الحديث : «من يستعفف يعفّه الله» أي : من طلب العفة وتكلفها أعطاه الله إياها.
وقيل : الاستعفاف : الصبر ، والنزاهة عن الشيء ومنه الحديث : «اللهمّ إنّي أسألك العفّة والغنى إلخ ...».
وعرف علماء الأخلاق فضيلة العفة بتعاريف متعددة مختلفة أهمها ما يأتي :
أولا : عرفها حجة الإسلام الغزالي فقال : هي تأدب قوة الشهوة بتأديب العقل والشّرع.
ثانيا : عرفها محيي الدين بن العربي : بأنها ضبط النّفس عن الشهوات وقسرها على الاكتفاء بما يقيم الجسد ، ويحفظ صحته. والّذي ألاحظه على هذين التعريفين قصر العفة على شهوات البدن فقط ، مع أنها تتناول ملاذ الروح أيضا.
(٢) أخرجه الطبري (٤ / ٣) برقم (٨٩٦٢) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٢ / ٣٤ ـ ٣٥) ، والسيوطي (٢ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧) بنحوه.
(٣) أخرجه الطبري (٤ / ٨) برقم (٩٠١٢) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٣٥) ، والسيوطي (٢ / ٢٤٨) بنحوه ، وعزاه لابن جرير عن ابن شهاب.
(٤) أخرجه الطبري (٤ / ١١) برقم (٩٠١٨) ، (٩٠١٩) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٢ / ٣٦) ، وابن كثير ـ