حكم الواحد (١).
وقدّم الوصية في اللفظ ؛ اهتماما بها ، وندبا إليها ؛ إذ هي أقلّ لزوما من الدّين ؛ وأيضا : قدّمها لأنّ الشرع قد حضّ عليها فلا بدّ منها ، والدّين قد يكون وقد لا يكون ؛ وأيضا : قدّمها إذ هي حظّ مساكين وضعاف ، وأخّر الدّين ؛ لأنه حقّ غريم يطلبه بقوّة ، وله فيه مقال ، وأجمع العلماء على أنّ الدّين مقدّم على (٢) الوصيّة ، والإجماع على أنه لا يوصى بأكثر من الثلث ، واستحبّ كثير منهم ألّا يبلغ الثلث.
وقوله تعالى : (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ) رفع بالابتداء ، والخبر مضمر ، تقديره : هم المقسوم عليهم ، أو هم المعطون ، وهذا عرض للحكمة في ذلك ، وتأنيس للعرب الّذين كانوا يورّثون على غير هذه الصّفة.
قال ابن زيد : (لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) ، يعني : في الدنيا والآخرة (٣) ، قال الفخر (٤) : وفي الآية إشارة إلى الانقياد إلى الشّرع ، وترك ما يميل إليه الطّبع. انتهى.
(وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (١٢) تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ
__________________
(١) ذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (٢ / ١٧) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٢٣) ، وعزاه لابن جرير ، والحاكم ، وصححه ، والبيهقي في «سننه».
(٢) من الحقوق التي تثبت على العبد الديون المرسلة في الذمة ، فتقدم على الوصية ، وسميت مرسلة ؛ لأنها أرسلت ، أي أطلقت عن تعلقها بعين التركة. ويجب تقديم دين الله على دين الآدمي إذا مات ولم يؤدهما ثم ضاقت التركة عنهما ؛ لقوله صلىاللهعليهوسلم : «دين الله أحق بالقضاء».
أما قبل الموت ، فإن كان محجورا عليه قدم دين الآدمي جزما ، ولو اجتمع عليه ديون لله (تعالى) قدمت الزكاة إن كان النصاب موجودا ، وإلا فتستوي الحقوق. وإنما قدمت الديون المرسلة في الذمة على الوصية ، لأن تلك الديون حق واجب على الميت ، فقضاؤه مقدم ، والوصية تبرع ؛ فلذا أخرت.
ينظر : «المواريث» لشيخنا وهبة إبراهيم.
(٣) أخرجه الطبري (٣ / ٦٢٤) برقم (٨٧٤٦) ، وذكره البغوي (١ / ٤٠٣) ، وابن عطية (٢ / ١٨)
(٤) ينظر : «مفاتيح الغيب» (٩ / ١٧٧)