وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً ...) الآية : أكثر النّاس أنّ الآية نزلت في الأوصياء الذين يأكلون ما لم يبح لهم من أموال اليتامى ، وهي تتناول كلّ آكل ، وإن لم يكن وصيّا ، وورد في هذا الوعيد أحاديث ؛ منها : حديث أبي سعيد الخدريّ ، قال : حدّثنا النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، عن ليلة أسري به ، قال : «رأيت قوما لهم مشافر كمشافر الإبل ، وقد وكّل بهم من يأخذ بمشافرهم ، ثمّ يجعل في أفواههم صخرا من نار تخرج من أسافلهم ، قلت : يا جبريل ، من هؤلاء؟ قال : هم الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلما» (١).
قلت : تأمّل (رحمك الله) صدر هذه السورة معظمه إنّما هو في شأن الأجوفين البطن والفرج مع اللسان ، وهما المهلكان ، وأعظم الجوارح آفة وجناية على الإنسان ، وقد روّينا عن مالك في «الموطأ» ، عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، أنّه قال : «من وقاه الله شرّ اثنين ، ولج الجنّة : ما بين لحييه وما بين رجليه ، ما بين لحييه وما بين رجليه ، ما بين لحييه وما بين رجليه» (٢).
قال أبو عمر بن عبد البرّ في «التمهيد» : ومعلوم أنه أراد صلىاللهعليهوسلم ما بين لحييه : اللسان ، وما بين رجليه : الفرج ، والله أعلم.
ولهذا أردف مالك حديثه هذا بحديثه عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ؛ أنّ عمر بن الخطّاب دخل على أبي بكر (رضي الله عنه) ، وهو يجبذ لسانه ، فقال له عمر : مه ، غفر الله لك ، فقال أبو بكر : إن هذا أوردني الموارد (٣) ، قال أبو عمر : وفي اللسان آثار كثيرة ، ثم قال أبو عمر : وعن أبي هريرة : أنّ أكثر ما يدخل النّاس النّار الأجوفان : البطن ، والفرج ، ثم أسند أبو عمر عن سهل بن سعد ، عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «من يتكفّل لي بما بين لحييه وما بين رجليه ، وأضمن له الجنّة» (٤) ، ومن طريق جابر نحوه. انتهى.
والصّلى : هو التسخّن بقرب النّار أو بمباشرتها ، والمحترق الذي يذهبه الحرق ليس
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٦١٥) برقم (٨٧٢٥) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٢٢١) ، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه مالك في «الموطأ» (٢ / ٩٨٧ ـ ٩٨٨) كتاب «الكلام» ، باب ما جاء فيما يخاف من اللسان ، حديث (١١) من حديث عطاء بن يسار مرسلا.
(٣) أخرجه مالك المصدر السابق (١٢).
وأخرجه هناد بن السري في «الزهد» (٢ / ٥٣١) برقم (١٠٩٣) ، ووكيع في «الزهد» برقم (٢٨٧)
(٤) أخرجه البخاري (١١ / ٣١٤) ، كتاب «الرقاق» ، باب حفظ اللسان ، حديث (٦٤٧٤) ، والترمذي (٤ / ٥٢٤) كتاب «الزهد» ، باب ما جاء في حفظ اللسان ، حديث (٢٤٠٨) ، وأحمد (٥ / ٣٣٣) ، والبغوي في «شرح السنة» (٧ / ٣٣٦ ـ بتحقيقنا)