في هذه الآية؟ فقال ابن عبّاس وغيره : المراد : من حضر ميتا حين يوصّي ، فيقول له : قدّم لنفسك ، وأعط لفلان وفلان ، ويؤذي الورثة بذلك (١) ، فكأنّ الآية تقول لهم : كما كنتم تخشون على ورثتكم وذرّيّتكم بعدكم ، فكذلك فاخشوا على ورثة غيركم / ، ولا تحملوه على تبذير ماله ، وتركهم عالة ، وقال مقسم وحضرميّ : نزلت في عكس ذلك ، وهو أن يقول للمحتضر : أمسك على ورثتك ، وأبق لولدك ، وينهاه عن الوصيّة ، فيضرّ بذلك ذوي القربى ، واليتامى ، والمساكين ، وكلّ من يستحقّ أن يوصى له (٢) ؛ فقيل لهم : كما كنتم تخشون على ذرّيتكم ، وتسرّون بأن يحسن إليهم ؛ فكذلك فسدّدوا القول في جهة اليتامى والمساكين.
قال ع (٣) : والقولان لا يطّردان في كلّ الناس ، بل الناس صنفان ؛ يصلح لأحدهما القول الواحد ، وللآخر القول الثّاني ؛ وذلك أنّ الرجل ، إذا ترك ورثة أغنياء ، حسن أن يندب إلى الوصية ، ويحمل على أن يقدّم لنفسه ، وإذا ترك ورثة ضعفاء مقلّين ، حسن أن يندب إلى التّرك لهم ، والاحتياط ؛ فإنّ أجره في قصد ذلك كأجره في المساكين ، فالمراعى إنما هو الضّعف ، فيجب أن يمال معه.
وقال ابن عبّاس أيضا : المراد بالآية : ولاة الأيتام (٤) ، فالمعنى : أحسنوا إليهم ، وسدّدوا القول لهم ، واتقوا الله في أكل أموالهم ؛ كما تخافون على ذرّيّتكم أن يفعل بهم خلاف ذلك.
وقالت فرقة : بل المراد جميع الناس ، فالمعنى : أمرهم بالتقوى في الأيتام ، وأولاد النّاس ، والتّسديد لهم في القول ، وإن لم يكونوا في حجورهم ؛ كما يريد كلّ أحد أن يفعل بولده بعده ، والسديد : معناه : المصيب للحقّ.
(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)(١٠)
__________________
(١) أخرجه الطبري (٣ / ٦١١) برقم (٨٧٠٩) ، وذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (٢ / ١٣) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢١٩) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في «سننه» عن ابن عباس.
(٢) أخرجه الطبري (٣ / ٦١٣) برقم (٨٧١٨) ، (٨٧١٩) عن مقسم ، وبرقم (٨٧٢٠) عن حضرمي. وذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (٢ / ١٣) عنهما.
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ١٣)
(٤) أخرجه الطبري (٣ / ٦١٤) برقم (٨٧٢١) ، وذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (٢ / ١٤)