هذه الآية في موضع رفع بالابتداء ، وهي بمنزلة «كم» ، وبمعناها تعطى في الأغلب التكثير ، وقرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو : «قتل» مبنيا لما لم يسمّ فاعله ، وقرأ (١) الباقون «قاتل» ، فقوله : «قتل» ، قال فيه جماعة من المفسّرين ، منهم الطّبريّ (٢) : إنه مستند إلى ضمير «نبيّ» ، والمعنى عندهم أنّ النبيّ قتل ، ونحا إليه ابن عبّاس ، وإذا كان هذا ، ف «ربّيّون» مرتفع بالظرف بلا خلاف ، وهو متعلّق بمحذوف ، وليس متعلّقا ب «قتل» ، وقال الحسن بن أبي الحسن وجماعة : إنّ «قتل» إنما هو مستند إلى قوله : «ربّيّون» ، وهم المقتولون (٣) ، قال الحسن ، وابن جبير : لم يقتل نبيّ في حرب (٤) قطّ.
قال ع (٥) : فعلى هذا القول يتعلّق قوله : «معه» ب «قتل» ورجح الطبريّ (٦) القول الأوّل ؛ بدلالة نازلة النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وذلك أنّ المؤمنين إنما تخاذلوا يوم أحد ، لما قيل : قتل محمّد ، فضرب المثل بنبيّ قتل ، وترجيح الطبريّ حسن ؛ ويؤيّد ذلك ما تقدّم من قوله :
(أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ) [آل عمران : ١٤٤] وحجة من قرأ «قاتل» : أنها أعمّ في المدح ؛ لأنه يدخل فيها من قتل ، ومن بقي.
__________________
ـ الصحابة كتبتها : «كأيّن» بثبوت النون ، فمن ثمّ وقف عليها جمهور القراء بالنون اتباعا لرسم المصحف. ووقف أبو عمرو وسورة بن مبارك ـ عن الكسائي ـ عليها : «كأي» من غير نون على القياس. واعتلّ الفارسي لوقف النون بأشياء طوّل بها ، منها : أنّ الكلمة لمّا ركّبت خرجت عن نظائرها ، فجعل التنوين كأنه حرف أصلي من بنية الكلمة. وفيها لغات خمس :
أحدها : «كأيّن» وهي الأصل.
والثانية : «كائن» بزنة «كاعن».
اللغة الثالثة : «كأين» بياء خفيفة بعد الهمزة على مثال : كعين.
اللغة الرابعة : «كيئن» بياء ساكنة بعدها همزة مكسورة.
واللغة الخامسة : «كئن» على مثال كع ، ونقلها الداني قراءة عن ابن محيصن.
ينظر : «الدر المصون» (٢ / ٢٢٤ ـ ٢٢٥ ـ ٢٢٦)
(١) وحجة من قرأ «قتل» : أن ذلك نزل معاتبة لمن أدبر عن القتال يوم أحد ، إذ صاح صائحهم : قتل محمد صلىاللهعليهوسلم ، فلما تراجعوا كان اعتذارهم أن قالوا : سمعنا «قتل محمد» ، فنزلت.
انظر : «البحر المحيط» (٢ / ٥١٦) ، و «الدر المصون» (٢ / ١٣٣)
(٢) ينظر : «تفسير الطبري» (٣ / ٤٦٠)
(٣) ذكره ابن عطية (١ / ٥٢٠)
(٤) ذكره الماوردي في «النكت والعيون» (١ / ٤٢٨) عن الحسن ، وذكره (أيضا) البغوي في «تفسيره» (١ / ٣٦٠) ، وابن عطية (١ / ٥٢٠)
(٥) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٥٢٠)
(٦) ينظر : «تفسير الطبري» (٣ / ٤٦١)