قال ع (١) : ويحسن عندي على هذه القراءة استناد الفعل إلى الربّيّين ، وقوله : (رِبِّيُّونَ) ، قال ابن عباس وغيره : معناه : جموع كثيرة ، وهو الرّبّة (٢) (بكسر الراء) ، وهي الجماعة الكثيرة ، وروي عن ابن عبّاس والحسن بن أبي الحسن وغيرهما : أنهم قالوا : ربيّون : معناه : علماء (٣) ؛ ويقوّي هذا القول قراءة من قرأ : ربّيّون (٤) (بفتح الراء) ، منسوبون إلى الرّبّ ؛ إما لأنهم مطيعون له ، أو من حيث إنهم علماء بما شرع.
وقوله سبحانه : (وَمَا اسْتَكانُوا) ، ذهبت طائفة من النحاة (٥) إلى أنّه من السّكون ، وذهبت طائفة إلى أنه مأخوذ من : «كان ، يكون» ، وأصله : استكونوا ، والمعنى : أنهم لم يضعفوا ، ولا كانوا / قريبا من ذلك ، قلت : واعلم (رحمك الله) أنّ أصل الوهن والضّعف عن الجهاد ، ومكافحة العدوّ هو حبّ الدنيا ، وكراهية بذل النفوس لله ، وبذل مهجها للقتل
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٥٢٠)
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٤٦٢) برقم (٧٩٦٠) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (١ / ٣٦٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (١ / ١٤٧) ، وعزاه للعوفي.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٤٦٢) برقم (٧٩٦٣) ، وذكره الماوردي في «تفسيره» (١ / ٤٢٨) ، وابن عطية (١ / ٥٢١)
(٤) ورواها قتادة عن ابن عباس.
ينظر : «شواذ ابن خالويه» (ص ٢٩) ، و «المحتسب» (١ / ١٧٣) ، و «المحرر الوجيز» (١ / ٥٢٠) ، و «البحر المحيط» (٣ / ٨٠) ، و «الدر المصون» (٢ / ٢٢٩) ، و «القرطبي» (٤ / ١٤٨)
(٥) فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه استفعل من الكون والكون : الذّلّ ، وأصله : استكون ، فنقلت حركة الواو على الكاف ، ثم قلبت الواو ألفا. وقال الأزهريّ وأبو عليّ : «هو من قول العرب : «بات فلان بكينة سوء» على وزن «جفنة» أي : «بحالة سوء» فألفه على هذا من ياء ، والأصل : استكين ، ففعل بالياء ما فعل بأختها.
الثاني : قال الفراء : «وزنه افتعل من السكون ، وإنما أشبعت الفتحة فتولد منها ألف».
وردّ على الفراء بأنّ هذه الألف ثابتة في جميع تصاريف الكلمة نحو : استكان يستكين فهو مستكين ومستكان إليه استكانة ، وبأنّ الإشباع لا يكون إلا في ضرورة. وكلاهما لا يلزمه : أمّا الإشباع ، فواقع في القراءات السبع كما سيمرّ بك ، وأمّا ثبوت الألف في تصاريف الكلمة ، فلا يدلّ أيضا ؛ لأنّ الزائد قد يلزم ؛ ألا ترى أنّ الميم في تمندل وتمدرع زائدة ، ومع ذلك هي ثابتة في جميع تصاريف الكلمة قالوا : تمندل يتمندل تمندل تمندلا فهو متمندل ومتمندل به ، وكذا تمدرع ، وهما من النّدل والدّرع. وعبارة أبي البقاء أحسن في الردّ فإنه قال : «لأنّ الكلمة في جميع تصاريفها ثبتت عينها ، والإشباع لا يكون على هذا الحدّ».
ولم يذكر متعلّق الاستكانة والضعف فلم يقل «فما ضعفوا عن كذا ، وما استكانوا لكذا» للعلم به أو للاقتصار على الفعلين نحو : (كُلُوا وَاشْرَبُوا) ليعمّ ما يصلح لهما.
ينظر : «الدر المصون» (٢ / ٢٢٩ ـ ٢٣٠)