بعدهم ؛ كسعد بن الرّبيع (١) ، ووصيته يومئذ للأنصار ، وأنس بن النّضر (٢) ، وغيرهما ، ثم يدخل في الآية الشاكرون إلى يوم القيامة ، وقال عليّ (رضي الله عنه) في تفسير هذه الآية (٣) : الشاكرون الثّابتون على دينهم ؛ أبو بكر ، وأصحابه ، وكان يقول : أبو بكر / أمير الشّاكرين ؛ إشارة منه إلى صدع أبي بكر بهذه الآية يوم موت النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وثبوته في ذلك الموطن ، وثبوته في أمر الرّدّة ، وسائر المواطن التي ظهر فيها شكره ، وشكر الناس بسببه ، ثم أخبر عزوجل عن النفوس ؛ أنها إنما تموت بأجل مكتوب محتوم عند الله تعالى ، أي : فالجبن والخور لا يزيد في الأجل ، والشّجاعة والإقدام لا ينقص منه ، وفي هذه الآية تقوية للنفوس في الجهاد ، وفيها ردّ على المعتزلة في قولهم بالأجلين.
وقوله سبحانه : (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها ...) الآية ، أي : نؤت من شئنا منها ما قدّر له ؛ يبيّن ذلك قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) [الإسراء : ١٨] ، وقرينة الكلام تقتضي أنه لا يؤتى شيئا من الآخرة ؛ لأنّ من كانت نيّته من عمله مقصورة على طلب الدّنيا ، فلا نصيب له في الآخرة ، والأعمال بالنيّات ، وقرينة الكلام من قوله : (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها) لا تمنع أن يؤتى نصيبا من الدنيا ، قال ابن فورك في قوله تعالى : (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) : إشارة إلى أنه ينعّمهم بنعم الدّنيا ، لا أنهم يقصرون على الآخرة (٤).
ثم ضرب سبحانه المثل للمؤمنين بمن سلف من صالح الأمم الذين لم يثنهم عن دينهم قتل الكفّار لأنبيائهم ، فقال : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ ...) الآية : وفي «كأيّن» لغات ، فهذه اللغة أصلها (٥) ؛ لأنها كاف التشبيه دخلت على «أيّ» ، و «كأيّن» في
__________________
(١) سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك الأغرّ بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج ، الأنصاريّ ، الخزرجيّ ، أحد نقباء الأنصار. ينظر : «الإصابة» (٣ / ٤٩)
(٢) أنس بن النضر بن ضمضم الأنصاري ، الخزرجي ، عمّ أنس بن مالك خادم النبيّ صلىاللهعليهوسلم. ينظر : «الإصابة» (١ / ٢٨١)
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٤٥٥) برقم (٧٩٣٧) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (١ / ٥١٦) ، والسيوطي بنحوه في «الدر المنثور» (٢ / ١٤٥) ، وعزاه لابن جرير.
(٤) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (١ / ٥١٨)
(٥) هذه اللفظة قيل : مركبة من كاف التشبيه ومن «أيّ» ، وحدث فيها بعد التركيب معنى التكثير المفهوم من «كم» الخبرية ، ومثلها في التركيب وإفهام التكثير : «كذا» في قولهم : «له عندي كذا كذا درهما» والأصل : كاف التشبيه و «ذا» الذي هو اسم إشارة ، فلمّا ركّبا حدث فيهما معنى التكثير ، وكم الخبرية و «كأيّن» و «كذا» كلّها بمعنى واحد ، وقد عهدنا في التركيب إحداث معنى آخر ؛ ألا ترى أنّ «لولا» حدث لها معنى جديد. «وكأيّن» من حقّها على هذا أن يوقف عليها بغير نون ؛ لأنّ التنوين يحذف وقفا ، إلا أنّ ـ