وهو يقدر عليه ، ـ قال بشر : أحسبه قال : تواضعا ـ ، كساه الله حلّة الكرامة» (١) ، وحدّث الحافظ أبو الفضل محمّد بن طاهر المقدسي (٢) بسنده ، عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، قال : «من كفّ غضبه ، كفّ الله عنه عذابه ، ومن خزن لسانه ، ستر الله عورته ، ومن اعتذر إلى الله قبل الله عذره» (٣). ا ه من «صفوة التّصوّف».
والعفو عن النّاس : من أجلّ ضروب فعل الخير ، ثم قال سبحانه : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ، فعم أنواع البرّ ، وظاهر الآية أنّها مدح بفعل المندوب.
(وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٣٥) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ)(١٣٦)
وقوله سبحانه : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ ...) الآية : ذكر سبحانه في هذه الآية صنفا هو دون الصّنف الأول ، فألحقهم بهم برحمته ومنّه ، وهم التّوّابون ، وروي في سبب نزول هاتين الآيتين ؛ أن الصحابة (رضي الله عنهم) ، قالوا : يا رسول الله ، كانت بنو إسرائيل أكرم على الله منّا حين كان المذنب منهم يصبح ، وعقوبته مكتوبة على باب داره ، فأنزل الله هذه الآية ؛ توسعة ورحمة ، وعوضا من ذلك الفعل ببني إسرائيل» (٤).
وروي أنّ إبليس بكى ، حين نزلت هذه الآية ، والفاحشة لفظ يعمّ جميع المعاصي ، وقد كثر استعماله في الزّنا ؛ حتّى فسر السّدّيّ الفاحشة هنا بالزّنا (٥) ، وقال قوم : الفاحشة
__________________
(١) أخرجه أبو داود (٢ / ٦٦٣) ، كتاب «الأدب» ، باب من كظم غيظا ، حديث (٤٧٧٨) من طريق سويد بن وهب عن رجل من أبناء أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن أبيه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم به.
(٢) محمد بن طاهر بن علي بن أحمد المقدسي الشيباني ، ابن القيسراني ، أبو الفضل : رحالة مؤخر ، من حفاظ الحديث ، كان مولده ب «بيت المقدس» سنة ٤٤٨ ه ووفاته ب «بغداد» ٥٠٧ ه ، له كتب كثيرة ، منها : «تاريخ أهل الشام ، ومعرفة الأئمة منهم والأعلام» ، و «معجم البلاد» ، و «صفوة التصوف».
ينظر : «الأعلام» (٦ / ١٧١) ، و «وفيات الأعيان» (١ / ٤٨٦) ، و «ميزان الاعتدال» (٣ / ٧٥) ، و «لسان الميزان» (٥ / ٢٠٧)
(٣) ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٨ / ٧٣) ، وقال رواه الطبراني في «الأوسط» ، وفيه عبد السلام بن هلال ، وهو ضعيف.
(٤) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٣٧) ، وعزاه لابن المنذر عن ابن مسعود.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٤٣٩) برقم (٧٨٤٦) ، وذكره ابن عطية (١ / ٥١٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٣٧) ، وعزاه لابن جرير ، وابن أبي حاتم.