عليه ، ذكّر بأمر بدر الذي كان ثمرته التوكّل على الله سبحانه ، والثّقة به.
وقوله سبحانه : (وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) : معناه : قليلون ، واسم الذّلّ في هذا الموضع : مستعار ؛ إذ نسبتهم إلى عدوّهم ، وإلى جميع الكفّار في أقطار الأرض تقتضي عند المتأمّل ذلّتهم ، وأنهم مغلوبون ؛ روى ابن عمرو «أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم خرج يوم بدر في ثلاثمائة ، وخمسة عشر ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «اللهمّ ، إنّهم حفاة ، فاحملهم ، اللهمّ إنّهم عراة ، فاكسهم ، اللهمّ ، إنّهم جياع ، فأشبعهم» ، ففتح الله عليهم يوم بدر ، فانقلبوا حين انقلبوا ، وما فيهم رجل إلّا قد رجع بجمل أو جملين ، واكتسوا ، وشبعوا» (١) رواه أبو داود ، والحاكم في «المستدرك على الصّحيحين» ، واللفظ له ، وقال : صحيح على شرط الشيخين. ا ه من «السلاح».
وقوله سبحانه : (إِذْ / تَقُولُ) : العامل في «إذ» فعل مضمر ، ويحتمل أن يكون العامل «نصركم» ، وعلى هذا قول الجمهور ؛ أنّ هذا القول من النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان ببدر ، قال ابن عبّاس : لم تقاتل الملائكة في يوم من الأيام إلا يوم بدر ، وكانوا يكونون في سائر الأيام عددا ومددا لا يضربون (٢) ، قال الشّعبيّ : وهم يحضرون حروب المسلمين إلى يوم القيامة ، وقال قتادة : أمد الله المؤمنين يوم بدر بخمسة آلاف (٣) ، قال عكرمة : كان الوعد يوم بدر ، فلم يصبروا يوم أحد ، ولا اتقوا ، فلم يمدّوا ، ولو مدّوا ، لم يهزموا (٤) ، وقال الضّحّاك ، وابن زيد : إنما كان هذا الوعد والمقالة للمؤمنين يوم أحد ، ففرّ الناس ، وولّوا مدبرين ، فلم يمدّهم الله ، وإنما مدّوا يوم بدر بألف من الملائكة مردفين (٥) ، والفور : النهوض المسرع إلى الشيء ؛ مأخوذ من فور القدر ، والماء ونحوه ؛ ومنه : الفور في الحجّ والوضوء
__________________
(١) أخرجه أبو داود (٢ / ٨٨) ، كتاب «الجهاد» باب في نفل السرية تخرج من المعسكر ، حديث (٢٧٤٧) ، والحاكم (٢ / ١٣٢ ـ ١٣٣) ، والبيهقي (٩ / ٥٧) كتاب «السير» ، باب قسم الغنيمة في دار الحرب ، من حديث عبد الله بن عمرو.
وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٤٢٢) برقم (٧٧٤٩) ، وذكره ابن عطية (١ / ٥٠٣)
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٤٢٣) برقم (٧٧٥٣) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٢٤) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٤٢٤) برقم (٧٧٥٨) ، وذكر ابن عطية في «تفسيره» (١ / ٥٠٣) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٢٤) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.
(٥) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (١ / ٥٠٣) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٢٤) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وعزاه لابن جرير عن ابن زيد.