المؤمنين في أمر أحد ، وفيه نزلت هذه الآيات كلّها ، وكان من أمر غزوة أحد أنّ المشركين اجتمعوا في ثلاثة آلاف رجل ، وقصدوا المدينة ؛ ليأخذوا بثأرهم في يوم بدر ، فنزلوا عند أحد يوم الأربعاء ، الثّاني عشر من شوّال ، سنة ثلاث من الهجرة ، على رأس أحد وثلاثين شهرا من الهجرة ، وأقاموا هنالك يوم الخميس ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم بالمدينة يدبّر وينتظر أمر الله سبحانه ، فلمّا كان في صبيحة يوم الجمعة ، جمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم النّاس واستشارهم ، وأخبرهم أنه كان يرى بقرا تذبح ، وثلما في ذباب سيفه ، وأنّه يدخل يده في درع حصينة ، وأنه تأوّلها المدينة ، وقال لهم : أرى ألّا نخرج إلى هؤلاء الكفّار ، فقال له عبد الله بن أبيّ ابن سلول : أقم ، يا رسول الله ، ولا تخرج إليهم بالنّاس ، فإن هم أقاموا ، أقاموا بشرّ محبس ، وإن انصرفوا ، مضوا خائبين ، وإن جاءونا إلى المدينة ، قاتلناهم في الأفنية ورماهم النّساء والصّبيان بالحجارة من الآطام (١) ، فو الله ، ما حاربنا قطّ عدوّ في هذه المدينة إلّا غلبناه ، ولا خرجنا منها إلى عدوّ إلّا غلبنا ، فوافق هذا الرّأي رأي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ورأي جماعة عظيمة من المهاجرين والأنصار ، وقال قوم من صلحاء المؤمنين ممّن فاتته بدر : يا رسول الله اخرج بنا إلى عدوّنا ، وشجّعوا النّاس ، ودعوا إلى الحرب ، فقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فصلّى بالنّاس صلاة الجمعة ، وقد حشّمه هؤلاء الدّاعون إلى الحرب ، فدخل إثر صلاته بيته ، ولبس سلاحه ، فندم أولئك القوم ، وقالوا : أكرهنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلمّا خرج عليهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم في سلاحه ، قالوا : يا رسول الله ، أقم ، إن شئت ، فإنّا لا نريد أن نكرهك ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما ينبغي لنبيّ لبس سلاحه أن يضعها ؛ حتّى يقاتل ، ثمّ خرج بالنّاس ، وسار حتّى قرب من عسكر المشركين ، فعسكر هنالك ، وبات تلك اللّيلة ، وقد غضب عبد الله بن أبيّ ابن سلول ، وقال : أطاعهم ، وعصاني ، فلمّا كان في صبيحة يوم السّبت ، اعتزم النّبيّ صلىاللهعليهوسلم على المسير إلى مناجزة المشركين ، فنهض وهو في ألف رجل ، فانخزل عنه عند ذلك عبد الله بن أبيّ ابن سلول بثلاثمائة رجل من منافق ومتّبع ، وقالوا : نظنّ أنّكم لا تلقون قتالا ، ومضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سبعمائة / فهمّت عند ذلك بنو حارثة من الأوس وبنو سلمة من الخزرج بالانصراف ، ورأوا كثافة المشركين ، وقلّة المسلمين ، وكادوا أن يجبنوا ، ويفشلوا ، فعصمهم الله تعالى ، وذمّ بعضهم بعضا ، ونهضوا مع النّبيّ صلىاللهعليهوسلم حتّى أطلّ على المشركين فتصافّ النّاس ، وكان النّبيّ صلىاللهعليهوسلم قد أمّر على الرّماة عبد الله بن جبير (٢) ، وكانوا خمسين رجلا ، وجعلهم يحمون الجبل وراء المسلمين ،
__________________
(١) واحدها : أطم ، وهي حصون مبنية بحجارة. ينظر : «لسان العرب» (٩٣)
(٢) عبد الله بن جبير بن النعمان الأنصاري ، أخو خوّات بن جبير. ـ