رسالة الله ، فمن يعص بعد ذلك ، فله جزاء خطير ، وهو نار جهنم ، ماكثين فيها أبدا على الدوام ، لا محيد لهم عنها ، ولا خروج لهم منها. وقوله : (أَبَداً) دليل أن المراد بالعصيان هنا : هو الشّرك.
ثم هدّد الله تعالى بالهزيمة والذّل المشركين الذين كانوا أقصر نظرا من الجنّ في عدم الإيمان ، فإنهم إذا ظلّوا على كفرهم ورأوا ما يوعدون يوم القيامة ، فسيعلمون يومئذ من أضعف ناصرا ، أي جندا ينتصر به ، وأقل عددا ، أهم أم المؤمنون الموحّدون لله تعالى؟ أي بل المشركون لا ناصر لهم إطلاقا ، وهم أقلّ عددا من جنود الله تعالى. ثم ذكر الله تعالى النوع الخامس من الموحى به ، وهو علم الغيب لإبطال ادّعاء الجنّ والإنس العلم به : والمعنى : وقل أيها النّبي : لست أدري أقرب العذاب الذي يعدكم الله به ، فما أدري أقريب وقت العذاب أم بعيد ، وهل جعل الله له غاية ومدة؟ فلا يعلم موعد يوم القيامة إلا الله وحده.
قال مقاتل : لما سمع المشركون قوله تعالى : (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً) قال النضر بن الحارث : متى يكون هذا اليوم الذي توعدنا به؟ فأنزل الله تعالى : (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ) الآيات.
والله وحده هو العالم بالغيبيات ، فلا يطلع على ما غاب عن العباد أحدا إلا من ارتضى من الرسل ، فإنه تعالى يطلعهم على بعض المغيبات ، ليكون معجزة لهم ، ودلالة على صدق نبوّتهم. فمن ارتضى من رسول ، فإنه يطلعه على غيبه بطريق الوحي ، ثم يجعل بين يديه (أمامه) ومن خلفه حرسا من الملائكة وهم الرّصد ، أي يبث الله تعالى حول ذلك الملك الرسول حفظة ، رصدا لإبليس وحزبه من الجنّ والإنس. والرسول : هو الملك أو صاحب الشريعة السماوية ، أي يشمل الرسول الملكي والبشري. والرّصد : الحفظة يحفظون كل رسول من تعرّض الجنّ والشياطين.