كاد الجنّ يكونون عليه جماعات متراكمين عليه من الازدحام ، لسماع القرآن منه ، وتعجبا مما رأوا من عبادته ، لأنهم رأوا ما لم يروا مثله.
قل أيها النّبي لمن تجمعوا حولك لإبطال دينك : إنما أدعو ربّي ، وأعبده وحده لا شريك له ، وأستجير به ، وأتوكل عليه ، ولا أشرك في العبادة معه أحدا.
وسبب نزول هذه الآية ، كما ذكر الشوكاني ـ : أن كفار قريش ، قالوا للنّبي صلىاللهعليهوسلم : إنك جئت بأمر عظيم ، وقد عاديت الناس كلهم ، فارجع عن هذا ، فنحن نجيرك.
قل أيها النبي أيضا لهؤلاء القوم : لا يدفع عني أحد من عذاب الله إن أنزله بي ، ولا نصير ولا ملجأ لي من غير الله أحد ، ولا يجيرني من الله ويخلصني إلا إبلاغي الرسالة التي أوجب أداءها علي ، فأبلّغ عن الله ، وأعمل برسالاته ، أمرا ونهيا ، فإن فعلت ذلك نجوت ، وإلا هلكت.
أخرج ابن جرير عن حضرمي أنه ذكر أن جنيّا من الجنّ ، من أشرافهم ، ذا تبع قال : إنما يريد محمد أن يجيره الله ، وأنا أجيره ، فأنزل الله : (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ) الآية.
وقوله تعالى : (إِلَّا بَلاغاً) قال الحسن البصري ما معناه : إنه استثناء منقطع ، والمعنى : لن يجيرني من الله أحد إلا بلاغا ، فإني إن بلّغت رحمني بذلك ، والإجارة للبلاغ مستعارة إذ هو سبب إجارة الله تعالى ورحمته. وقال بعض النّحاة : على هذا المعنى هو استثناء متصل ، والمعنى : لن أجد ملتحدا إلا بلاغا ، أي شيئا أميل إليه وأعتصم به ، إلا أن أبلّغ وأطيع فيجيرني الله. والتقدير كما قال قتادة : لا أملك إلا بلاغا ، فأما الإيمان والكفر فلا أملكه.
وجزاء العصاة الذين لا يمتثلون موجب التبليغ عن الله تعالى : هو أنني أبلغكم