منكرين لذلك ، فنزلت الآية بهذا السبب. وهي وإن نزلت خاصة في هؤلاء القوم ، فهي عامة إلى يوم القيامة ، ما نسخها شيء.
ومعناها : يا أيها الذين صدقوا بالله ورسوله ، إن أتاكم فاجر ، لا يبالي بالكذب ، بخبر فيه إضرار بأحد ، فتبينوا الحقيقة ، وتثبتوا من الأمر ، ولا تتعجلوا بالحكم حتى تتبصروا في صحة الخبر ، لتظهر الحقيقة ، خشية أن تصيبوا قوما بالأذى ، وتلحقوا بهم ضررا لا يستحقونه ، وأنتم جاهلون حالهم ، فتصيروا على ما حكمتم عليهم بالخطإ نادمين على ذلك.
وفي تنكير (فاسق) و (نبأ) دلالة على العموم في الفساق والأنباء ، مما يدل على أن شهادة الفاسق لا تقبل ، وأن خبر الواحد العدل حجة.
وعليكم أيها المؤمنون تعظيم قائدكم ، فاعلموا أن معكم رسول الله ، فعظموه وانقادوا لأمره ، فإنه أعلم بمصالحكم ، ولا تقولوا قولا باطلا ، ولا تتسرعوا بالحكم على الناس من غير تبيّن حقيقة الخبر ، ولو أطاعكم في كثير من الأخبار التي تخبرونه بها باجتهادكم وتقدمكم بين يديه ، لأدى ذلك إلى الوقوع في العنت : وهو المشقة والإثم والهلاك.
ولكن الله تعالى أنعم عليكم بنعم كثيرة ، فلا تتقدموا في الأمور ، واقنعوا بإنعام الله تعالى عليكم ، وحبّب ، أي قرّب الإيمان إلى بعضكم وحسّنه وخلقه في قلوبكم ، وكرّه إليكم الكفر (جحود الخالق وتكذيب الرسل) والفسوق (الخروج عن حدود الدين) والعصيان (المخالفة وعدم الطاعة) أي جعل هذه الثلاثة مكروهة في قلوبكم ، بما وصف من العقاب عليها ، هؤلاء الذين قبلوا هذه النصائح واستقاموا على طريق الحق ومقتضى الشرع ، وأدب الدين ، وشكروا الله على ذلك ، هم الراشدون المهديون ، الذين لم يتورطوا في اتهام غيرهم دون تثبت. وقوله (أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) التفات من الخطاب إلى الغيبة.