وإن تحبيب الإيمان إليكم ، وتكريه الأمور الثلاثة المتقدمة تفضل الله بها عليكم تفضلا وإنعاما من لدنه ، والله عليم بكل الأمور الحادثة والمستقبلة ، حكيم في تدبير شؤون خلقه ، وفي أقواله وأفعاله ، وشرعه وقدره. وقوله : (فَضْلاً) مصدر مؤكد بنفسه ، لأن ما قبله هو بمعناه ، إذ التحبيب والتزيين هو نفس الفضل.
كان قتادة رحمهالله يقول : قد قال الله تعالى لأصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم : (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) وأنتم والله أسخف رأيا ، وأطيش أحلاما ، فليتّهم رجل نفسه ، ولينتصح كتاب الله تبارك وتعالى.
إن في هذا الأدب وهو التثبّت من الأخبار المنقولة ، والروايات المروية ، فائدة عظيمة للأفراد والجماعات ، فكم من خبر مفترى ولّد أحقادا ومنازعات ، واتهامات باطلة ، فيندم ناقل الخبر لتركه التأمل والتأني ، قال عليه الصلاة والسّلام : «التأني من الله ، والعجلة من الشيطان» (١).
فض المنازعات الداخلية (البغاة)
تقع الصراعات أو المنازعات الداخلية المسلحة عادة في كل زمان ومكان ، بسبب بعض الشبهات أو التأويلات ، من فئات تستبد بها الأهواء أحيانا ، أو الجنوح أحيانا ، أو مناصرة لحق يرونه ، وظلم يبغون رفعه ، وتتكبد الأمة خسارة كبيرة في القضاء على الثورات المسلحة والفتن الداخلية ، ولو احتكموا إلى القرآن بمعانيه الدقيقة ، لما نشب بينهم شيء من الخلاف ، وقد أنزل الله تعالى في قرآنه حكما سديدا في هؤلاء في الآيات الآتية :
__________________
(١) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن أنس بن مالك ، وهو ضعيف.