تألّى أبو بكر ألا يكلم رسول الله إلا كأخي السرار (أي كصاحب السر) فأنزل الله تعالى في أبي بكر : (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ).
وروى الإمام أحمد عن مجاهد قال : كتب إلى عمر : يا أمير المؤمنين ، رجل لا يشتهي المعصية ولا يعمل بها؟ فكتب عمر رضي الله عنه : إن الذين لا يشتهون المعصية ولا يعملون بها (أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ).
ثم ذمّ الله تعالى الذين ينادون رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، من خارج حجرات (بيوت) نسائه ، كما يفعل أجلاف الأعراب ، فقال الله مرشدا لهم إلى ما هو الخير والأفضل : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ ..) أي إن الذين ينادونك أيها النبي من بعيد ، من وراء بيوت نسائك ، وهم جفاة بني تميم ، أكثرهم جهال ، لا يعقلون الأصول والآداب الاجتماعية ، ولا يقدّرون ما يجب لك من الاحترام والتعظيم. وقوله : (أَكْثَرُهُمْ) يراد به في أكثر أحوالهم لا يعقلون أو أكثرهم لا كلهم لا يعقلون.
أخرج الطبراني وأبو يعلى بسند حسن عن زيد بن أرقم قال : جاء ناس من العرب إلى حجر النبي صلىاللهعليهوسلم ، فجعلوا ينادون : يا محمد ، يا محمد ، فأنزل الله : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ) الآية. وفي مصحف ابن مسعود : «أكثرهم بنو تميم لا يعقلون».
وليتهم لو صبروا حتى تخرج إليهم كالمعتاد ، لكان لهم في ذلك الخير والمصلحة في الدنيا والآخرة ، لما فيه من رعاية حسن الأدب مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ورعاية قدره الشريف ، والعمل بما يستحقه من الإعظام والاحترام ، والله غفور (كثير المغفرة) لذنوب عباده ، رحيم (واسع الرحمة) بهم ، لا يؤاخذ مثل هؤلاء ، فيما فرض منهم من إساءة الأدب ، جهلا وعادة قبيحة ، فهم يحتاجون إلى التعليم ، وهذا حث على التوبة ، وترجية لهم وإعلام بقبول توبة التائب ، وغفرانه ورحمته لمن أناب ورجع.