قل أيها الرسول : ألجأ وأستعين بالله مربي الناس ومتعهدهم بعنايته ورعايته وخالقهم ، ومدبر أمرهم ، ومصلح أحوالهم ، مالك الناس ملكا تاما ، وله السلطان القاهر ، وهو الإله المعبود الذي يعبده الناس ، واسم الإله : خاص بالله ، لا يشاركه فيه أحد. وأما الملك : فقد يكون إلها وقد لا يكون.
وهذه صفات ثلاث لله عزوجل : الربوبية ، والملك ، والألوهية ، فهو رب كل شيء ، ومليكه ، وإلهه ، فجميع الأشياء مخلوقة له ، مملوكة عبيد له. وإنما قدم الربوبية لمناسبتها للاستعاذة ، فهي تتضمن نعمة الصون والحماية والرعاية ، ثم ذكر الملكية ، لأن المستعيذ لا يجد عونا له ولا غوثا إلا مالكه ، ثم ذكر الألوهية ، لبيان أنه المستحق للشكر والعبادة دون سواه.
والسبب في تكرار لفظ (النَّاسِ) هو مزيد البيان والإظهار ، والتنويه بشرف الناس ، فإنهم مخلوقات الله تعالى. وإنما قال : (بِرَبِّ النَّاسِ) مع أنه رب جميع المخلوقات ، فخص الناس بالذكر للتشريف ، ولأن الاستعاذة لأجلهم.
ـ ألجأ إلى الله تعالى وأحتمي من شر الشيطان ذي الوسوسة ، الكثيرة الخنوس ، أي الاختفاء والتأخر ، بذكر الله تعالى ، أو الراجع على عقبه المستتر أحيانا ، إذا ذكر العبد الله تعالى وتعوذ ، وتذكّر فأبصر ، وإذا لم يذكر الله انبسط على القلب ، قال ابن عباس في هذه الآية : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا سها وغفل ، وسوس ، فإذا ذكر الله خنس.
وتذكر الله يفيد التبصر ، كما قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) [الأعراف : ٧ / ٢٠١].
وكذلك يخنس الشيطان بلمّة الملك ، والحياء يردع ، والإيمان يزجر بقوة ، فتخنس العوارض المتحركة ، والشهوات العارمة ، والغضب يسكن ، بذكر الله تعالى. وقد