سلط الله تعالى الشيطان على الناس إلا من عصمه الله ، للمجاهدة والفتنة والاختبار ، ثبت في الحديث الصحيح أنه : «ما منكم من أحد إلا وكّل به قرينه ، قالوا : وأنت يا رسول الله؟ قال : نعم إلا أن الله أعانني عليه ، فأسلم ، فلا يأمرني إلا بخير».
وموضع وسوسة الشيطان أوضحه الله تعالى بقوله (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) أي الذي يلقي خواطر السوء والشر في القلوب ، وإنما ذكر الصدور لأنها تحتوي علي القلوب ، والخواطر محلها القلب ، كما هو المعهود في كلام العرب.
والذي يوسوس نوعان : جني وإنسي ، قال الله تعالى : (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) أي إن ذلك الموسوس إما شيطان الجن ، فيوسوس في صدور الناس كما تفيد الآية المتقدمة ، وإما شيطان الإنس ، ووسوسته في صدور الناس أنه يري نفسه كالناصح المشفق ، فيوقع في الصدر كلامه الذي أخرجه مخرج النصيحة ، فيجعله فريسة وسوسة الشيطان الجني ، وهذا يدل على أن الوسواس قد يكون من الجن ، وقد يكون من الناس. وقوله : (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) أي من الشياطين ، ونفس الإنسان ، ووسوسة الناس : إنما تكون بأن يوسوس البشر بالخداع ، والدعوة إلى الباطل ، فهو في ذلك كالشيطان.
لكن ينبغي أن ندرك أن وسوسة الشيطان ليست قهرية ، وإنما بسبب استجابة الإنسان واختياره لها ، فقد يختار الإصغاء لوسوسة الشياطين ، وقد يحذر عداوتهم ووسوستهم ، كما جاء في آية أخرى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) [الإسراء : ١٧ / ٦٥].