فالصمد : هو الذي يصمد إليه في الحوائج ، أي يقصد ، وصمد من باب نصر ، أي قصد.
والمعنى المراد : هو الله الذي يقصد إليه كل مخلوق ، لا يستغني عنه أحد ، وهو الغني عنهم. وهذا لإبطال اعتقاد المشركين العرب وأمثالهم ، بوجود الوسائط والشفعاء. قال ابن عباس في تفسير الصمد : يعني الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم ، وهو السيد الذي قد كمل في سؤدده ، والشريف الذي قد كمل في شرفه ، والعظيم الذي قد كمل في عظمته ، والحليم الذي قد كمل في حلمه ، والعليم الذي قد كمل في علمه ، والحكيم الذي قد كمل في حكمته ، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد ، وهو الله سبحانه ، هذه صفته ، لا تنبغي إلا له ، ليس له كفء ، وليس كمثله شيء ، سبحان الله الواحد القهار.
وليس لله مصدر ولا ذرية فهو (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) (٣) أي إنه سبحانه لم يصدر عنه ولد ، ولم يصدر هو عن شيء ، لأنه لا يجانسه شيء ، ولأنه قديم غير محدث ، لا أول لوجوده ، وليس بجسم. وهذا نفي للشبه والمجانسة ، ووصف بالقدم (الأزلية) والأولية ، ونفي الحدوث. بل ونفي النهاية والفناء ، كما في آية أخرى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الحديد : ٥٧ / ٣].
ثم إن الجملة الأولى (لَمْ يَلِدْ) ذات هدف مزدوج ، فهي نفي لوجود الولد لله ، ورد على المشركين الذين زعموا أن الملائكة بنات الله ، وعلى اليهود القائلين : عزير : ابن الله ، وعلى النصارى الذين قالوا بالتثليث ، وبأن المسيح ابن الله ، وعلى المانوية القائلين بألوهية النور والظلمة ، وعلى الصابئة الذين يعبدون النجوم. وكذلك الجملة الثانية مزدوجة الأثر : نفي لوجود الوالد ، وسبق العدم ، بمعنى أنه لم يكن غير موجود ثم وجد.