(ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٣١) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣٢) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٣٤)) (١) (٢) [المؤمنون : ٢٣ / ٣١ ـ ٣٤].
المراد بهذه الآيات في اتجاه أكثر المفسرين : عاد قوم هود عليهالسلام ، فهم أقدم إلا أنهم لم يهلكوا بصيحة ، لذا قال الطبري رحمهالله : إن هذا القرن هم ثمود ورسولهم صالح عليهالسلام.
والمعنى : ثم أوجدنا من بعد قوم نوح المهلكين قوما آخرين ، هم قبيلة عاد قوم هود عليهالسلام ، فإنهم كانوا مستخلفين بعد قوم نوح عليهالسلام ، فأرسل الله تعالى فيهم رسولا منهم ، فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، فكذبوه وخالفوه ، ورفضوا اتباعه ، فقال لهم : أفلا تتقون؟! أي ألا تخافون عذاب الله بعبادتكم غيره من الأوثان والأصنام ، فإن العبادة لا يستحقها إلا الله الواحد الأحد الذي لا شريك ولا ند ولا نظير له. قال الملأ ، أي أشراف قوم هود المتصفون بثلاث صفات شريرة ، وهي : الكفر بالخالق أو إنكار وحدانيته ، والجحود بيوم القيامة ، أو التكذيب بالبعث والجزاء والحساب ، والانغماس في متع الحياة الدنيا التي أنعم الله بها عليهم ، فإن الله أترفهم في الدنيا ، أي نعّمهم ، وبسط لهم الآمال والأرزاق ، لكنهم جحدوا النعمة وبطروا واستكبروا ، وقالوا : ما هود الذي يدعي أنه رسول إلا بشر عادي مثلكم في الصفات والحال ، لا ميزة له عليكم ، فهو يأكل من طعامكم ، ويشرب من شرابكم الذي تشربون منه ، فكيف يدّعي الفضل عليكم ، ويزعم النبوة والرسالة من الله إليكم؟!
__________________
(١) أي قوما أو أمة أو جماعة مجتمعة في زمان واحد ، سموا بذلك لتقدمهم على من بعدهم تقدم القرن على الحيوان.
(٢) نعّمناهم فبطروا.