بتكوينه وإيجاده ، وقد استأثر بعلمه ، فلا يعلمه إلا هو ، ولا يستطيعه إلا هو ، وما أوتيتم أيها الناس من العلوم والمعارف إلا علما قليلا ، محصورا بالمحسوسات والمرئيات ، أما ما وراء ذلك فلا قدرة لكم عليه ، ولا اطلاع لأحد على حقيقته.
وسبب نزول هذه الآية : هو ما روي عن عبد الله بن مسعود : أنه كان مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فمرّ على حرث (بستان) بالمدينة ـ ويروى : على خرب ـ وإذا فيه جماعة من اليهود ، فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح ، فإن أجاب فيه ، عرفتم أنه ليس بنبي. فالآية نزلت في اليهود ، وهي مدنية ، وهذه رواية البخاري.
وفي رواية أخرى تدل على أن الآية مكية كسائر سورة الإسراء ، وهي ما أخرج الترمذي عن ابن عباس قال : قالت قريش لليهود ، علمونا شيئا نسأل هذا الرجل ، فقالوا : سلوه عن الروح ، فسألوه ، فأنزل الله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) والمراد : الأرواح التي في الأشخاص الحيوانية.
قال ابن كثير : يجمع بين الحديثين بتعدد النزول ، فقد يكون السؤال من قريش ، بتعليم اليهود في مكة فتكون الآية مكية ، وقد يتكرر السؤال من اليهود أنفسهم في المدينة ، فتكون الآية مدنية. والراجح هو الرأي الأول ، فقد حرض اليهود المشركين المكيين على هذا السؤال للتحدي والاستبداد والعناد.
والمهم بيان كون الله مصدر الأرواح جميعا. فهو المانح للروح والقابض لها ، وعلم الناس محدود قاصر ، لا يدركون إلا ظواهر الأشياء ، من وجود حركة الإنسان الجنين في بطن أمه ، حينما تدبّ فيه الروح ، فيحيا الجسم ويحس ويتحرك.
وذلك أنه كان عندهم في التوراة : أن الروح مما انفرد الله بعلمه ، ولا يطلع عليه أحدا من عباده ، فتطابق ما جاء في القرآن مع ما جاء في التوراة ، مما يدل على صدق نبوة النبي محمد صلىاللهعليهوسلم.