وقتادة : إن العسرة بلغت بهم في تلك الغزوة وهي غزوة تبوك ، إلى أن قسموا التمرة بين رجلين ، ثم كان النفر يأخذون التمرة الواحدة ، فيمضغها أحدهم ويشرب عليها الماء ، ثم يفعل كلهم بها ذلك ، وقال عمر رضي الله عنه : وأصابهم في بعضها عطش شديد ، حتى جعلوا ينحرون الإبل ، ويشربون ما في كروشها من الماء .. حتى استسقى لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فرفع يديه يدعو ، فما أعادهما حتى انسكبت سحابة ، فشربوا وادّخروا ، ثم ارتحلوا ، فإذا السحابة لم تخرج عن العسكر.
وتاب الله أيضا على الثلاثة الذين خلّفوا ، أي تخلفوا عن غزوة تبوك ، لا بسبب النفاق ، وإنما كسلا وإيثارا للراحة والقعود. وصاروا خلفاء عن الغازين : الذين ذهبوا إلى الغزو ، وتأخروا عن المنافقين ، فلم يقض فيهم شيء ، وهم المرجون لأمر الله ، وهم كعب بن مالك الشاعر ، وهلال بن أمية الواقفي الذي نزلت فيه آية اللعان ، ومرارة بن الربيع العامري ، وكلهم من الأنصار ، ووصفوا بصفات ثلاث : ضاقت عليهم الأرض بما رحبت واتسعت بالخلق جميعا ، وضاقت صدورهم بسبب الهم والغم ، وعلموا ألا ملجأ ولا ملاذ من غضب الله إلا بالتوبة. ثم أمر الله تعالى المؤمنين أمرا عاما بتقوى الله والصدق في القول والعمل. والتقوى : التزام الأوامر واجتناب النواهي ، والصدق : الثبات على دين الله وشرعه ، وتنفيذ أوامره ، وطاعة رسوله صلىاللهعليهوسلم.
إيجاب الجهاد على أهل المدينة ومن حولها
ليس تكوين الأمة وإقامة الدولة بالأمر الهيّن السهل ، وإنما يحتاج لبذل أقصى الجهد في التضحية ، والبناء والعمل ، ومجاهدة الأعداء ورد غارات المعتدين ، والصبر في سبيل ذلك صبرا شديدا ، سواء في حال الإقامة ، أم في الأسفار ، واقتحام