الرَّحِيمُ (١١٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩)) [التوبة : ٩ / ١١٧ ـ ١١٩].
التوبة من الله : رجوعه بعبده من حالة إلى أرفع منها ، فقد تكون في الأكثر رجوعا من حال المعصية إلى حال الطاعة ، وقد تكون رجوعا من حالة طاعة إلى أكمل منها. وهذه توبته تعالى في هذه الآية على النبي صلىاللهعليهوسلم ، لأنه رجع به من حاله قبل الظفر بأجر الغزوة وتحمل مشاقها إلى حاله بعد ذلك كله ، وأما توبته تعالى على المهاجرين والأنصار فحالها تحتمل النقلة من تقصير إلى طاعة ، وجدّ في القتال ، ونصرة الدين. وأما توبته تعالى على الفريق الثلاثة الذين كادوا أن يزيغوا ، فرجوع من حالة محطوطة إلى غفران ورضا.
والمعنى : لقد تفضل الله بمزيد بالرضا عن نبيه ، وعلى أصحابه المؤمنين الذين صاحبوه في تبوك وقت الشدة والضيق ، وهي غزوة العسرة ، والتزموا أمر النبي ولم يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ، لقد رضي الله عن نبيه وعطف عليه ، وقبل التوبة من الصحابة ووفقهم للعمل بمقتضاها. وحدثت هذه التوبة على المؤمنين ، من بعد ما كاد يزيغ أو يميل بعضهم عن الحق والإيمان ، وهم الذين تخلفوا عن تبوك لغير سبب النفاق.
ثم أكد الله تعالى التوبة على المؤمنين ، بأن رزقهم الإنابة إلى ربهم ، والثبات على دينه ، إن ربهم رؤف رحيم بهم ، فلا يتركهم بعد صبرهم على الجهاد ، وإنما يزيل ضررهم ، ويديم نفعه لهم ، ويحقق المصلحة لهم ، وهذا معنى الرأفة ، أي السعي في إزالة الضر ، والرحمة ، أي السعي في إيصال النفع.
وفائدة تأكيد ذكر التوبة مرة أخرى تعظيم شأنهم ، وإزالة الشك من نفوسهم ، والتجاوز عن وساوسهم التي كانت تقع في قلوبهم في ساعة العسرة. قال مجاهد