الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤) وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (١١٥)) (١) [آل عمران : ٣ / ١١٣ ـ ١١٥].
وسبب نزول هذه الآيات في أصح التأويلات : ما قاله ابن عباس رضي الله عنه : لما أسلم عبد الله بن سلام ، وثعلبة بن سعنة ، وأسيد بن سعية ، وأسد بن عبيد ، ومن أسلم من اليهود ، قالت أحبار اليهود : ما آمن لمحمد إلا شرارنا ، ولو كانوا من خيارنا لما تركوا دين آبائنا. وقالوا لهم : لقد خنتم حين استبدلتم بدينكم دينا غيره ، فأنزل الله تعالى : (لَيْسُوا سَواءً) الآية.
والمعنى : ليس أهل الكتاب متساوين في العقيدة والأفعال ، فمنهم أمة مستقيمة على طاعة الله ، ثابتة على أمره ، يتلون آيات الله ، ويقرءون القرآن في ساعات الليل ، ويصلون والناس نيام ، ويناجون ربهم وغيرهم غافلون ، وهم يؤمنون بالله واليوم الآخر إيمانا صادقا خالصا ، ويخشون الله ، ويرجون ثوابه وتجارة لن تبور ، فهؤلاء مؤمنون حقا.
وهم في مجال الأخلاق والعمل الاجتماعي ، يأمرون بالفضيلة والمعروف ، وينهون عن الرذيلة والمنكر ، ويبادرون إلى فعل الخيرات بسرعة وبلا تلكؤ أو إمهال ، وهم قوم صالحون مثل عبد الله بن سلام وصحابته الذين أسلموا وصلحت أحوالهم وارتفعت درجاتهم. فهم بإسلامهم خيار ، لا أشرار كما زعم اليهود ، وأتقياء لا فجار ، وعقلاء لا مجانين ، إذ اختاروا الإيمان وتركوا الضلال.
وما يفعلون من الطاعات ، فلن يحرموا ثوابه ويمنعوا جزاءه ، ولا يتصور غير هذا في شريعة الإسلام العادلة ، وعدل الله الشامل ، فالله شكور لفعل عباده الأتقياء ،
__________________
(١) أي يمنعوا أو يحرموا ثوابه.