وقيل : معنى الآية : فإن لم تتركوا ما بقي من الربا بعد نزول الأمر بتركه (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ.)
ومثل هذا اللفظ لا يوجب الإكفار ؛ لأن لفظ محاربة الله ورسوله يطلق على ما دون الكفر كما في آية قطّاع الطريق. وهذا الحكم في آية الربا إنّما هو مستقيم إذا اجتمع أهل بلدة لهم منعة وقوّة على المعاملة بالربا وكانوا محرّمين له ، فإن الإمام يستتيبهم ؛ فإن تابوا وإلا قاتلهم. وأما إذا عامل واحد أو جماعة قليل عددهم معاملة الربا ، فإن الإمام يستتيبهم ؛ فإن تابوا وإلا زجرهم وحبسهم إلى أن يظهروا توبتهم. وقد روي عن ابن عباس وقتادة والربيع فيمن أربا : (أنّ الإمام يستتيبه ، فإن تاب وإلّا قتله) (١). فهذا محمول على أن يفعله مستحلا له ؛ لأنه لا خلاف بين العلماء أنه ليس بكافر إذا اعتقد تحريمه.
قوله تعالى : (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) (٢٧٩) ؛ أي فإن رجعتم عن استحلال الربا وأقررتم بتحريمه. ويقال : إن تبتم عن معاملة الربا (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) التي أسلفتموها بني المغيرة ، (لا تَظْلِمُونَ) بطلب الزيادة على رأس المال ، (وَلا تُظْلَمُونَ) بحبس رأس المال عنكم.
قال ابن عباس : (فلمّا نزلت هاتان الآيتان ، كتب بهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى عتّاب ، فقرأهما على ثقيف فقالوا : بلى ، نتوب إلى الله فإنّه لإيذان لنا بحرب الله ورسوله ، ثمّ طلبوا رؤوس أموالهم من بني المغيرة ، فقالت بنو المغيرة : نحن اليوم أهل عسر وأخّرونا إلى أن تدرك الثّمار ، فأبوا أن يؤخّروهم ، فنزل قوله عزوجل : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) ؛ أي إن كان المطلوب ذا ضيق وشدّة ؛ فتأخيره إلى سعة ويسار (٢).
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٤٩٠٣) عن ابن عباس ، وفي النص (٤٩٠٥) عن قتادة ، وفي النص (٤٩٠٦) عن الربيع.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٤٩٠١ و ٤٩٠٧).