التَّعَفُّفِ) أي من القناعة ، ولو كانوا يسألون لكان يعرفهم بالسؤال لا بالسيماء. وإنّما يسمى الملحّ في السؤال ملحفا ؛ لأنه يلصق بالمسؤول ويشتمل على وجود الطلب في المسألة كاشتمال اللّحاف.
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [إنّ الله يحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده ، ويكره البؤس والتّباؤس ، ويحبّ الحليم المتعفّف ، ويبغض الفاحش البذيء السّائل الملحف](١). وقال صلىاللهعليهوسلم : [من سأل وله ما يغنيه ، جاءت مسألته يوم القيامة كدوحا أو خموشا أو خدوشا في وجهه] قيل : وما غناؤه؟ قال : [خمسون درهما](٢).
قوله تعالى : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) (٢٧٣) ؛ أي ما يتصدّقوا به من مال ، (فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) يجزيكم به.
قوله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٢٧٤) ؛ قال ابن عباس ومقاتل : (نزلت هذه الآية في عليّ رضي الله عنه ؛ كانت له أربعة دراهم لم يملك غيرها ؛ فتصدّق بدرهم ليلا ؛ وبدرهم نهارا ؛ وبدرهم سرّا ؛ وبدرهم علانية ، فنزلت هذه الآية) (٣).
وعن ابن عباس قال : (لمّا نزل قوله تعالى : (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) بعث عبد الرّحمن بن عوف بدنانير كثيرة إلى أصحاب الصّفّة حتّى أغناهم ؛ وبعث عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في جوف اللّيل بوسق من التّمر ـ والوسق ستّون صاعا فكان أحبّ الصّدقتين إلى الله تعالى صدقة عليّ رضي الله عنه ونزل فيها قوله تعالى :
__________________
(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند : ج ٢ ص ١٨١ و ١٨٢. والترمذي في الجامع : الحديث (٢٨١٩ ، وقال : حديث حسن.
(٢) أخرج الطبراني شطره عن جابر في الأوسط : الحديث (٥٤٦٣) ، وشطره الأخير عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : الحديث (٢٤٢٢).
(٣) في الدر المنثور : ج ٢ ص ١٠٠ ؛ قال السيوطي : (أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن عساكر). وفي مجمع الزوائد : ج ٦ ص ٣٢٤ ؛ قال الهيثمي : «رواه الطبراني ، وفيه عبد الواحد بن مجالد ، وهو ضعيف».