تفرّقا في الأرض لمنع الكفّار إيّاهم عن ذلك) (١). وقيل : هذا لا يصحّ ؛ لأنه لو كان كذلك لقال : حصروا ، بغير ألف.
وقال سعيد بن جبير : (هؤلاء قوم أصابتهم جراحات مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ فصاروا زمنا وأحصرهم المرض والزّمانة عن الضّرب في الأرض) (٢). فاختار الكسائيّ هذا القول لأنه يقال : أحصروا من المرض والزّمانة عن الضرب في الأرض ، ولو أراد الحبس قال : حصروا ، وإنّما الإحصار من الخوف أو المرض ، والحصر : الحبس في غيرهما.
قوله تعالى : (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) قرأ الحسن وأبو جعفر وشيبة وابن عامر والأعمش وعاصم وحمزة : (يَحْسَبُهُمُ) بفتح السين في جميع القرآن ، والباقون بالكسر.
ومعنى الآية : يظنّهم الجاهل بأمرهم وشأنهم أغنياء من التعفّف عن السؤال ؛ لتجمّلهم باللباس وكفّهم عن المسألة. والتعفّف يذكر ويراد به ترك المسألة كما قال صلىاللهعليهوسلم : [من استغنى أغناه الله تعالى ، ومن استعفّ أعفّه الله](٣).
قوله تعالى : (تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ ؛) أي تعرفهم أنت يا محمد بعلامة فقرهم ورثاثة حالهم. وقيل : بتخشّعهم وتواضعهم. وقيل : بصفرة ألوانهم من الجوع وقيام الليل وصيام النهار. وقيل : بفرحهم واستقامة حالهم عند توارد البلاء عليهم.
قوله تعالى : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) ؛ قال عطاء : (إذا كان عنده غداء لا يسأل عشاء ، وإن كان عنده عشاء لا يسأل غداء). وقال أهل المعاني :
(لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) ولا غير إلحاف ؛ أي ليس لهم سؤال فيكون إلحافا ، والإلحاف : الإلحاح ، دليل هذا القول قوله تعالى : (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٤٨٦٧).
(٢) في الدر المنثور : ج ٢ ص ٨٩ ؛ قال السيوطي : «أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم».
(٣) أخرجه الطبراني في الأوسط : الحديث (٢٨٩٦). والطبري في جامع البيان : الحديث (٤٨٧٦).