وظاهر الآية يقتضي جواز دفع الصدقات إلى الكفّار إلّا أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم خصّ منها الزّكاة ؛ فقال : [أمرت أن آخذ الصّدقة من أغنيائكم وأردّها على فقرائكم](١).
قوله عزوجل : (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) ؛ قيل : معناه : ما أنفقتم من نفقة للفقراء ، وقيل : معناه : عليكم بالنفقة للفقراء الذين حبسوا في طاعة الله ؛ أي أحصرهم فرض الجهاد فمنعهم من التصرّف والسير لطلب المعاش ، وهؤلاء أصحاب الصّفّة حبسوا أنفسهم لطلب العلم ؛ وفضل الجمعة ؛ وخدمة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكانوا نحوا من أربعمائة رجل لم يكن لهم مساكن ولا عشائر ؛ كانوا معتكفين في المسجد في صفّته ؛ قالوا : نخرج في كلّ سريّة يبعثها رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سبيل الله ، فحثّ الله على الصدقة عليهم ، فكان الرجل إذا بقي عنده فضل أتاهم به (٢).
وقوله تعالى : (لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ) الضرب في اللغة : السّير ، يعني لا يستطيعون سيرا في الأرض للتجارة وطلب المعيشة ، ونظيره قوله تعالى : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ)(٣) وقوله تعالى : (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ)(٤). وقال الشاعر :
لحفظ المال أيسر من فنائه |
|
وضرب في البلاد بغير زاد |
وقال ابن زيد : (من كثرة ما جاهدوا لا يستطيعون ضربا في الأرض ، فصارت الأرض كلّها حربا عليهم ؛ لا يتوجّهون فيها جهة إلّا ولهم فيها عدوّ) (٥). وكان السديّ يقول : (معنى (أُحْصِرُوا) أي منعهم الكفّار بالخوف منهم ؛ فلا يستطيعون
__________________
(١) في الجامع لأحكام القرآن : ج ٣ ص ٣٣٧ وج ٨ ص ١٦٨ و ١٧٢. وأصله من حديث معاذ حين أرسله رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى اليمن ، وهو في الصحيحين.
(٢) في كنز العمال : الرقم (١٦٥٧٧) ، وعزاه للخطيب في تاريخه.
(٣) النساء / ١٠١.
(٤) المزمل / ٢٠.
(٥) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٤٨٦٦).